توّسطت صورة فرح «متوّجة» لوحة النشاطات في مركز إحدى الجمعيات الأهلية الناشطة في مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان)، قبل بدء النشاطات «الموسمية» لهذا العام. فرح (8 سنوات) التي توّجت على المسرح العام الماضي كفائزة بالأعمال الصيفية المميزة، حضرت هذا العام برفقة والدتها، بإصرار على إزالة صورتها عن اللوحة، بسبب ارتدائها الحِجاب. وانتُزِعت الصورة بعد فشل المشرفات في إقناع الوالدة بأن طفلتها لم تكن محجّبة وقت التقاط الصورة. وتقوم الجمعيات والمؤسسات الأهلية بالتحضير للنشاطات الصيفية مبكراً كل عام، وكذلك الأندية والاتحادات الرياضية في المخيمات التي تنشط مع انتهاء العام الدراسي. ويلتحق الأطفال بها كل بحسب رغبته وبإشراف من الأهالي، أما وكالة الغوث الأونروا فقد حضّرت هذا العام برامج ترفيهية للأطفال، لكن معظمها تعطل بسبب ضغط من جهات تعتبر أن نشاطات الأونروا «مشبوهة». وتتنوّع النشاطات الصيفية بين الثقافية والرياضية والفكرية إضافة إلى النشاطات «الوطنية»، وهي بمعظمها مجانية أو شبه مجانية، كالأشغال اليدوية وبخاصة للفتيات، وكرة القدم والسلة للفتيان، والمطالعة والرسم والفنون كالموسيقى ورقص الدبكة إضافة إلى دورات اللغة الإنكليزية والكومبيوتر، إلى جانب الرحلات الترفيهية إلى حدائق الحيوانات والملاهي، والرحلات التثقيفية إلى المعالم التاريخية... وغيرها. وتعمل أحلام (30 سنة) منسقة برامج في جمعية أهلية تنشط في أربعة مخيمات، وتقول: «تراجع اهتمام الأهل بالنشاطات الصيفية التي تكمل دور المدرسة وتنمي المهارات الفكرية والجسدية لدى الأطفال، كما تعزّز روح المشاركة والتعاون». وتعزو الناشطة الاجتماعية ذلك إلى تحذيرات يطلقها بعض «التيارات» الإسلامية بمخاطر الاختلاط بين الأطفال الذكور والإناث وأهمية الدين في صقل الشخصية، والدعوة إلى استبدال حلقات التعليم الديني بالنشاطات الصيفية التقليدية. وتضيف: «في الوقت الذي نحتاج إلى توسيع دائرة العمل لدى الجمعيات والاتحادات الأهلية لتشمل أكبر عدد من الأطفال، نجد أن هناك عوائق كثيرة تمنع مشاركة البعض من دون مبررات منطقية». ويقول جمال (40 سنة) اللاجئ الفلسطيني في مخيم عين الحلوة: «أفضّل مشاركة أولادي الذكور في النشاطات الرياضية فقط، كونها الطريقة المثلى لإفراغ الطاقة لدى الأطفال، أما الإناث فإن المطالعة المنزلية الهادفة والمشاركة في حلقات الحوار الديني من أبرز الطرق لبناء شخصية تعرف مخاطر الرذيلة وتتبع طريق الفضيلة». وعن رأيه في عمل ونشاطات الجمعيات الأهلية يقول: «يعمل في المؤسسات والجمعيات الأهلية أبناء شعبنا الفلسطيني وبالطبع لا مشكلة في ذلك، لكن هناك مشاريع وبرامج تموّلها جهات أجنبية ولا أحد يعلم ما خلفية هذا التمويل المشبوه، لذلك فإن اختيار الأمور المضمونة أفضل». حجة لا تراها أحلام منطقية، وتدخضها قائلة: «نحن من يضع البرامج والنشاطات وليست الجهة المموّلة، وتوضع البرامج بناء على الحاجة المجتمعية الموجودة، والنشاطات غالباً ما تحمل أهدافاً مباشرة كتنمية روح التعاون والاتحاد والعمل المشترك، وهناك نشاطات وطنية للتعرف إلى قرى ومدن فلسطين وجغرافية فلسطين ومسابقات لقصص ورسومات وأفكار حول حق العودة، والحق في مقاومة... والاتهام بأن التمويل مشبوه غير مبني على أسس إذ إنه يمكن أن ينطبق على أي جمعية أو مؤسسة خيرية حين تكون الأهداف غير واضحة ومستترة بظاهر سليم». حرب «باردة» وغير معلنة، تدور في كواليس النشاطات الصيفية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، بين منظمي هذه النشاطات وأحياناً بين روّادها. حرب لا يأبه لها الأطفال أو يشعرون بها، ويقول وائل (9 سنوات): «أنتظر العطلة الصيفية للاشتراك بالنشاطات، أذهب وأختي إلى المؤسسة، أحب لعب كرة القدم جداً، ولا يوجد ملاعب في المخيم، والزواريب ضيقة جداً لنلعب ورفاقي، لذلك يأخذنا المشرف الرياضي في المؤسسة إلى ملعب خارج المخيم، أما أختي فتشترك في نشاطات الرسم والغناء، فهي تحب الرسم وصوتها جميل». وتقول زهرة (11 سنة): «تعلمت استخدام الكمبيوتر العام الماضي هنا في المؤسسة، كذلك تعلمت الرسم على الزجاج وأشغالاً يدوية أخرى، نقوم بنشاطات كثيرة، وقمنا الأسبوع الماضي بحملة للتوعية على نظافة المخيم وأهمية البيئة، وبحملة للتوعية من مضار التدخين، وأيضاً نقوم بتحدي الصبيان بلعبة شدّ الحبل وألعاب الفيديو، ونغلبهم دائماً». ونادين (35 سنة)، من الأمهات المطمئنات على أولادهن، تقول: «أعتبر النشاطات الصيفية فرصة لتنمية قدرات ابنتي خصوصاً بوجود مشرفات أثق بقدرتهن على ذلك، وألاحظ النتائج الإيجابية دائماً من خلال سلوك طفلتي في البيت وقدرتها على النقاش ومحاولتها في تبرير وجهات نظرها بطريقة ذكية، وأجد النشاطات الصيفية مفيدة وتكمل دور الأهل والمدرسة». ويبقى معظم أولياء الأمور حائرين وسط كلام عن برامج ونشاطات «مشبوهة» وأخرى «آمنة»، من دون أن يتمكّن أحد من التأكيد أو النفي في شكل مطلق، ويتداخل الشك باليقين لدى كثير من الأهالي، أما الأطفال فلا يفقهون لغة الكبار المعقّدة، وينتظرون العطلة الصيفية للخروج من «الزواريب الضيّقة»، متشبثين بلغة واحدة... اللعب!