تنتشر صفحات عراقية ساخرة على «فايسبوك»، يرتاح فيها الشباب خصوصاً من همومهم اليومية إذ يسخّرونها لنكاتهم على السياسيين وانتقاداتهم اللاذعة لأوضاع البلاد، تحت شعار «التحشيش»، وهو مصطلح شعبي عراقي دارج بين الشباب والمراهقين راهناً ومعناه الضحك من القلب، بلا قيود، ولو كان الواقع مريراً، ويطلقون على الشخص المرح المحبّ للمزاح تسمية «الحشّاش». ويضم «فايسبوك» مئات المجموعات الافتراضية والصفحات العراقية المخصصة لفكاهة الأمر الواقع، حيث تُنتقد الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية بأسلوب النكتة أو من خلال رسوم الكاريكاتور. ومن المواضيع المفضلة لهؤلاء الشباب، الخلافات بين السياسيين والبطالة وتدهور الخدمات العامة. فتشكّل ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي في غالبية المدن العراقية، لأكثر من 17 ساعة يومياً، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع مياه الشرب، مثلاً، عناوين دسمة للترفيه... ولا تخلو أسماء هذه المجموعات وعناوين الصفحات، من طرافة، على غرار صفحة «أتخبل من يفصل النت»، في إشارة إلى تداعي خدمة الإنترنت في البلاد، وصفحة «1 + 1 = 3 وبكيفي»، فضلاً عن صفحة «عزيزتي الضوجة: انتي ليش لزكه؟؟؟؟» و»الضوجة» باللهجة العراقية تعني «الملل». وقد يصل عدد الأعضاء في هذه الصفحات إلى الآلاف، إلى جانب المتابعين والمعجبين، حتى إن صفحات الشخصيات السياسية، من وزراء ونواب، لا تبدو قادرة على المنافسة من حيث الشعبية. يقول سعيد محمد، أحد مديري صفحة «امبراطورية التحشيش العراقية» على «فايسبوك»: «يعيش العراقيون مآسي كثيرة، وغالباً ما يلجأون إلى «فايسبوك» للتواصل والتضامن، ولو معنوياً أو افتراضياً، ولو من خلال الضحك، ليهونوا على أنفسهم، لا سيما الشباب» الذين يشعرون بانسداد أفق مستقبلهم. ويضيف سعيد، الذي لا يزيد عمره على 16 سنة: «النكات والتحشيش والمواقف المضحكة، تجذب العراقيين أكثر من أي شيء، ونحن حين ننشر النكات ورسوم الكاريكاتور، نلاحظ تفاعلاً كبيراً مع المشاركين». واللافت أن غالبية هذه المجموعات والصفحات تضع قوانين خاصة بها، محددة وبسيطة، أبرزها عدم الخوض في السجالات السياسية المباشرة أو الجدية، إضافة إلى منع الكلام الطائفي والديني، على اعتبار أن هذه الصفحات مخصصة فقط للنقد من باب المزاح، لا النقاش الذي تتوافر له صفحات أخرى. أكرم سعيد، أحد مديري صفحة «اتخبل من يفصل النت» يقول إن الشباب العراقيين «يميلون إلى السجالات ذات الطابع السياسي أو الديني أو الطائفي، وغالباً ما تحتدم النقاشات، ويخالطها سبّ وشتم، لهذا وضعنا بنداً في قوانين الصفحة بعدم التطرق الى هذه المواضيع، والمخالف يُطرد من الصفحة فوراً». وإذا كانت هذه الصفحات تقدّم نفسها على أنها متخصصة في الضحك، فإن ذلك لا يمنعها من التفاعل مع الأحداث. فمثلاً عندما تقع تفجيرات يسقط فيها قتلى وجرحى، تعلن الحداد، وتمتنع عن نشر النكات لتلتزم بأخبار متعلقة بالحدث إضافة إلى التعازي والأدعية للقتلى بالرحمة والصبر لذويهم. وعندما يشارك المنتخب الوطني العراقي لكرة القدم في مباراة دولية، تتحول هذه الصفحات، بمشاركاتها وصورها المنشورة، حملات تأييد للمنتخب وكرنفالات تشجيع، ولا مانع من إطلاق النكات في هذه الحالة... على الفريق الخصم.