بعد أن تمكّن اتحاد نقابات «فردي» الألماني من فرض زيادة عالية على أجور ورواتب موظفي القطاع العام بلغت 6,3 في المئة في آذار (مارس) الماضي، بعد سلسلة أضرابات وتظاهرات، تمكّن «اتحاد عمال المعادن» الألماني (إي غه ميتال) أخيراً من انتزاع زيادة بلغت 4,3 في المئة، مع حصول العمال المبتدئين على عقود عمل أسرع من السابق. وحصلت نقابات أخرى في الأسبوعين الماضيين على معدل مماثل للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين. وكان لافتاً إعلان وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله تأييداً غير عادي لمطلب عمال المعادن برفع الأجور بنسبة 6,5 في المئة، علماً أن الدولة لا تتدخل في تحديد الزيادات على الأجور في القطاع الخاص عادة. وأعرب عدد من أرباب العمل عن استيائهم من موقف وزير المال وتدخله في أمور خارج صلاحياته. ولفت مراقبون إلى أن ما حصل عليه عمال المعادن سيكون نموذجاً تُبنى على أساسه مطالب النقابات العمالية الأخرى. وتأمل الحكومة الألمانية في أن يتعزز الاستهلاك الخاص في العام الحالي ليصبح الركيزة الثانية للنمو، إلى جانب الصادرات التي تراجعت في دول منطقة اليورو نتيجة الأزمة المالية والركود الاقتصادي الحاصل فيها. وتعتقد غالبية الخبراء والمحللين وقيادة صندوق النقد الدولي، أن رفعاً واضحاً للأجور ضروري لتشجيع المواطنين على الاستهلاك أكثر، كما يرون أن النقابات العمالية «ضبطت نفسها سنوات عدة» حين كانت الأوضاع المالية والاقتصادية متعثّرة، وقبلت بزيادات متواضعة على الأجور والرواتب. أرباح الشركات وبعد سنتين من الانتعاش الكبير ومن تحقيق الشركات الألمانية أرباحاً كبيرة، حضّ كثيرون أرباب العمل على دفع زيادات استثنائية للعاملين لديهم بهدف تحريك السوق الداخلية. وكانت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ومسؤولون دوليون رفعوا الصوت منذ أكثر من سنة، داعين ألمانيا إلى رفع الأجور في شكل ملموس، للتخفيف من الأفضلية التنافسية التي تتمتع بها الصادرات الألمانية في الأسواق الدولية. وقال شويبله: «ليس من الخطأ أن ترتفع الأجور عندنا أكثر من معدل ارتفاعها في الدول الأوروبية الأخرى»، مضيفاً أن هذه الخطوة تتجاوب مع مطلب هذه الدول الهادف إلى إزالة اللاتوازن التنافسي القائم في أوروبا». ويرى خبراء أن الصناعة الألمانية «ربحت خلال العقد الماضي قدرات تنافسية كبيرة وتركت وراءها الدول الأوروبية». وأفاد «مكتب الإحصاء الاتحادي» بأن كلفة العمل في ألمانيا بقيت منذ عام 2001 تنمو بصورة أقل من نموها في دول الاتحاد، وينطبق هذا الواقع على الإنتاجية وعلى قدرتها التنافسية. وأوضح كبير خبراء مصرف «كوميرتس بنك» يورغ كرامر، أن تكيّف الدول الأخرى مع ألمانيا وتماثلها بها من حيث القدرة التنافسية، سيتسارع إذا ارتفعت معدلات الأجور في ألمانيا مستقبلاً أكثر من مثيلاتها في منطقة اليورو، وفي حال ارتفاع الإنتاجية في ألمانيا بنسبة 2,5 في المئة سنوياً حتى عام 2014، ستستعيد إسبانيا والبرتغال ما خسرته من قدرات تنافسية أمام ألمانيا، بشرط أن تخفض الدولتان مصاريفهما السنوية بمعدل 0,5 المئة، كما فعلت ألمانيا قبل اندلاع الأزمة المالية. لكن الخبير رئيس «معهد بحوث الاقتصاد إي في» في برلين ميخائيل هوتر رفض التحليل هذا، ودعا إلى الاهتمام بوضع ألمانيا أولاً، مشيراً إلى أن شويبله «تجاهل أن الديناميكية الاقتصادية هذا العام في ألمانيا تستند فقط إلى الطلب الداخلي». وحذّر من التأثير السلبي للزيادات العالية للأجور على الصادرات، ولاحظ أن «زيادة ثلاثة في المئة كافية وإلا فان البطالة ستتزايد». وبدوره أيّد رئيس شركة البحوث «كيل إيكونوميكس» كارستن- باتريك ماير فكرة رفع الزيادات على الأجور، مقترحاً زيادة خمسة في المئة على الأقل من أجل رفع الاستهلاك وزيادة الواردات من الدول الأوروبية بهدف إعادة التوازن إلى التجارة البينية وزيادة قدرة هذه الدول على مواجهة أزمة اليورو والعجز المالي. واستبعد أن تنعكس هذه الزيادة سلباً على سوق العمال في ألمانيا.