يبدو أن بعض المسؤولين والمديرين لدينا يعيشون انفصالاً حقيقياً عن الواقع، ولذا فهو لا يرى المشكلات ولا يعترف بها أصلاً، وما عليك إلا أن تكذب ما تشاهده عيناك وما تقرأه وما تسمعه وتصدق المسؤول. وللمثال، عرضت صحيفة «سبق» الإلكترونية هذا الأسبوع لقاءً مطولاً مع مدير الخطوط السعودية بالرياض عبدالعزيز الدغيثر، وكل ما جاء فيه أنه لا مشكلات، وخطوطنا هي الأفضل ومديرنا العام أحسن واحد. وقبل أن نستعرض مقتطفات من هذا اللقاء الطويل، أود أن أشير إلى الناس لم تعد تستسيغ أو تتقبل مثل هذه اللقاءات «الإنشائية» إن جاز التعبير، ويكفي أنه وحتى كتابة هذه الأسطر كان هناك 279 رداً على اللقاء على موقع الصحيفة الإلكتروني، لم يتفق شخص واحد مع ما قاله مسؤول الخطوط. عنوان اللقاء بالبنط العريض هو قول الدغيثر: «من يقارنا بالشركات الخليجية حاقد أو جاهل»، وهذه أولى المغالطات، فمع الأزمات والتأخير والشكاوى التي تعرضت لها خطوطنا خلال السنوات الخمس الماضية، فلا يجوز مقارنتها إلا مع خطوط «جيبوتي» و«غانا»، أما مقارنتها بالخطوط الخليجية فهو ظلم للأشقاء الخليجيين الذين تطور طيرانهم بشكل مذهل وفي فترات قياسية. ولكن الدغيثر ما زال مصراً أن خطوطنا هي الأفضل مقارنة بالأشقاء الخليجيين، ولم يورد في حديثه أية معايير أو مقارنات تثبت أفضلية «السعودية». وأما عن تأخر الطائرات عن التحليق في مواعيدها، فجواب الدغيثر هو «التأخير أمر وارد في عالم الطيران، أحياناً لا نتحمل مسؤولية التأخير عندما يتعلق بأسباب مناخية أو بسبب كوارث طبيعة أو إضرابات في مطارات وإقفال أجواء في بعض الدول، كما أن الخلل الفني في الطائرات من مختلف الطرازات. أتمنى ألا يعتقد البعض أننا الشركة الوحيدة التي يحدث فيها تأخير، فجميع الشركات تعاني من ذلك الأمر، حتى من تتجدول عليها رحلات أقل منا بكثير». وهذا كلام عام لا خلاف عليه، ولكن أن يكون التأخير هو القاعدة كما في خطوطنا، فهذا ما لا يراه الدغيثر ولا يعترف به، وكل الشكاوى والتذمر والتكدس في مطاراتنا لم يلفت نظر المسؤول. وأما تعليق الدغيثر على ما ذكرته وزارة الخدمة المدنية أن أكثر الشكاوى التي وصلت إليهم من موظفين ضد مديريهم كانت من الخطوط السعودية، فقال: «أعتقد أن هناك خللاً ما من هؤلاء الموظفين أنفسهم، فأبواب المسؤولين في «الخطوط» مفتوحة، وعلى رأسهم المدير العام، وأنا أؤكد أن جميع من كانوا مظلومين أو لهم حقوق أنصفهم المدير العام، متى ما اطلع عليها». وهذا للأسف عدم اعتراف بالمشكلة، ومحاولة تبرئة إدارة الخطوط، وتحميل المتضرر، وهم الموظفون، كل المسؤوليات. ولو وجد هؤلاء الموظفون إنصافاً من إدارة الخطوط لما تجاوزوا بالشكوى لوزارة الخدمة، وهل يعي مسؤول السعودية معنى «أكثر» في بيان وزارة الخدمة؟ للأسف ما زالت عقلية المسؤول تنفي وتحمل دائماً المسؤولية للطرف الآخر، أما إدارة الخطوط فلا مسؤولية عليها ولو علمت لأنصفتهم، فأي تبرير هذا؟ الأسوأ هو وصف الدغيثر لمديره العام بأنه «سخي وشبعان» قبل أن يأتي إلى الخطوط و«لا يبحث عن أي مكتسبات شخصية». ولا معنى لكلام المسؤول سوى تضخيم شأن المسؤول الأكبر. فما معنى «شبعان»؟ وهل يتم تصنيف المديرين إلى «شبعان» و«جوعان»؟ وهل هناك مدير عام بالمرتبة الممتازة «جوعان»؟ ثم لماذا لا يبحث عن مكتسبات شخصية؟ أليست الإنتاجية وتحسين مستوى وجودة الخدمة مكتسبات شخصية تحسب للمدير؟ ويستمر لقاء النفي، فالخطوط غير مسؤولة عن قضية المعتمرين، ولا وجود للواسطة في «السعودية»، ولا تكافئ الخطوط الكتاب بسفرات مجانية، ولا صراع مناطقي في الخطوط، ولا مقاطعة للصحف التي تنتقد الخطوط، وإلى آخره. وخلاصة القول إن الخطوط لن تتطور طالما أنه على رغم ما كتب وقيل وذكر، فإن مسؤولي الخطوط لا يرونه إلا أمراً عادياً، بل هو تضخيم من الإعلام والناس للمشكلات، «وشكراً لاختياركم السعودية»! اقتصادي سعودي - بريطانيا www.rubbian.com