يتجه الرئيس السوداني عمر البشير إلى حل حكومته وتشكيل وزارة جديدة، في إطار سياسة تقشف ترمي إلى تقليص وزراء الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات. وأرجأ حزب المؤتمر الوطني الحاكم إعلان خطوات اقتصادية قاسية بعد تحذيرات أمنية وسياسية من اندلاع ثورة تطيح نظام البشير. وقال مراقبون في الخرطوم إن حكومة البشير الحالية التي تسمى «حكومة القاعدة العريضة» التي شكلت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ستكون الأقصر عمراً والأكبر عدداً في تاريخ البلاد، إذ تتألف من نحو مئة من مساعدي الرئيس ومستشاريه إضافة إلى أكثر من سبعين من الوزراء ووزراء الدولة، و170 وزيراً في ولايات البلاد. وأقر الحزب الحاكم إجراء تغييرات ومراجعات واسعة في هياكل الحكم في محاولة لكسب رضا السودانيين قبل إقرار حزمة إصلاحات اقتصادية قاسية. وينتظر أن يطرح البشير ملامح تلك التغييرات خلال اجتماع مجلس شورى الحزب غداً السبت. وأرجأ وزير المال علي محمود أمس للمرة الثانية إعلان السياسات الاقتصادية التي تشمل رفع الدعم عن المحروقات، بعدما دعا رؤساء التحرير وقادة الأجهزة الإعلامية إلى مؤتمر صحافي، وسط معلومات عن تقارير أمنية وسياسية تحذر الحكومة من تظاهرات غاضبة تطيح نظام الحكم. وتوقع أستاذ العلوم السياسية في أكاديمية الأمن العليا الدكتور عمر عبدالعزيز أن تؤدي خطة الحكومة الاقتصادية إلى ثورة بنسبة 95 في المئة، ورأى أن الضغط الاقتصادي «وصل درجة لن يتحملها أي مواطن لديه كرامة»، مشيراً إلى أن الشارع أصبح مهيأ نفسياً لهذا الأمر. وتابع: «الثورة ليست غريبة على السودانيين». ودعا خلال ندوة صحافية في الخرطوم الحكومة إلى عدم تقديم أية تنازلات وتسويات خارجية مع دولة الجنوب، مؤكداً أن هذا الأمر سيفتح الأبواب للمساومة في قضايا ترسيم الحدود والنزاع على منطقة أبيي، لافتاً إلى أن هناك «قوى عظمى وإقليمية وداخلية» تعمل على إسقاط حكم الإسلاميين. وتحدث عبدالعزيز عن سعي قوى دولية إلى إلحاق السودان ب «الربيع العربي» واتهم الحكومة بالتهرب من «عمليات جراحية مؤلمة» لإصلاح الأوضاع في البلاد. ودعا إلى خطوات سريعة للإصلاح السياسي والهيكلي ومحاربة الفساد. وزاد: «إذا حدث انفجار في الشارع لا بد من التعامل معه في إطاره الصحيح على أنها ثورة ضد الوضع الاقتصادي وليس من منطلق العمالة والاستجابة إلى قوى أجنبية وارتزاق». إلى ذلك، انتقد وزير الإعلام السوداني غازي الصادق تعطيل السلطات الأمنية صحفاً ومنع صحافيين من الكتابة، واصفاً إياها بالمزعجة، مؤكداً الشروع في بحث آلية للتقليل من الظاهرة وتفادي خسائرها المادية والأدبية. وأوقف جهاز الأمن والاستخبارات جريدة «التيار» وقبلها صحيفة «رأي الشعب» إلى أجل غير مسمى، كما علّق صدور «الميدان» الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني نحو 13 مرة خلال الفترة الماضية. وأكد وزير الإعلام أن القضية تجد اهتماماً كبيراً من قبل الوزارة، مؤكداً انخراطها حالياً لتقصي الأسباب التي أدت إلى مصادرة الصحف بعد الطباعة وإيقاف بعض الصحافيين. وقال الصادق إنهم يدرسون نقاطاً ومحاذير عدة محددة للصحف، منوهاً بضرورة الاتفاق عليها مع الجهات المعنية للحد من ظاهرة المصادرة. ونفى أن يكون هناك توجيه رسمي في تناول قضايا الفساد إعلامياً لكنه أكد أن نشرها غير مجدٍ في ظل وجود آليات لرصد الفساد. من جهة أخرى حذرت الخارجية السودانية من أن عودة احتضان دولة جنوب السودان متمردي «حركة العدل والمساواة» من شأنها التأثير في جولة المحادثات التي من المقرر استئنافها الخميس المقبل، وقالت إن لجوء دولة الجنوب إلى التحكيم الدولي في شأن المناطق الحدودية المتنازع عليها يثير الشكوك في جديتها في المحادثات. وقال سفير السودان في جوبا مطرف صديق، خلال لقاء مع سفراء في الخرطوم، إن حكومة الجنوب مارست تكتيكات غير ذات جدوى خلال جولة التفاوض الماضية، هدفت من خلالها إلى التشويش على القضايا الأساسية المتمثلة في وقف العدائيات وانسحاب كل طرف إلى حدوده الدولية والامتناع عن دعم الحركات المتمردة. وأشار صديق إلى أن الحكومة لم تسقط خيار اللجوء إلى التحكيم حول المناطق المختلف حولها، شرط نفاد كل الخيارات التي تؤدي إلى التسوية عبر التفاوض والإجراءات التوافقية الأخرى.