يبدو ان ادارة الرئيس الاميركي، باراك اوباما، تحسِب ان الحرب على الارهاب تفوضها اختيار اهداف الاغتيالات من غير رقابة القضاء او إشرافه. فالثلثاء الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» معلومات مفادها ان كلمة الفصل تعود الى الرئيس في ابرز اعمال تصفية الارهابيين وهجمات طائرات «درون» (من غير طيار). وعلى رغم ان اوباما يتسم بالحكمة والبصيرة، فهو، شأن غيره من شاغلي المكتب البيضاوي، رجل سياسة تؤثر فيه «ضغوط» أو هموم اعادة انتخابه لولاية ثانية. ولا يجوز ان ينفرد مَن هو في مثل حاله بقرار قتل مواطنين اميركيين او اجانب خارج ساحة المعركة من غير موافقة طرف خارج الدائرة السياسية المقربة منه. فمن أين للعالم التيقن من أن الأهداف التي اختارها الرئيس او خلفاؤه تمثل ارهابيين خطرين فعلاً، ومعرفة ما اذا كان الرئيس تفادى الاغتيال وجعله أبغض المباح أو بادر الى وضع لائحة قتل لتجنب توجيه اتهام سياسي اليه بالضعف؟ لا يسع الولاياتالمتحدة أن تكون في حرب متواصلة على الإرهاب تسوغ توسل القوة القاتلة ضد أي كان في أي مكان للتصدي لمصدر خطر. فمثل هذه السلطة عظيم، وسوء استخدامه يسير، وهذا ما لم ينسه من عاصر ادارة الرئيس السابق. وحري بأوباما الذي عارض في حملته الانتخابية سوء استخدام السلطة في 2008، تذكر مآخذه على الرئيس السابق. ومقالة ال «تايمس» التي كتبها جو بيكر وسكوت شاين، تصوره على انه يختار شخصياً الهدف، ويوافق على كل عملية «درون» كبرى في اليمن والصومال وأخطر العمليات في باكستان. ويعاونه في المهمة هذه مساعدوه ومجموعة من موظفي الامن القومي. ويعتمد أوباما على مستشاره لشؤون مكافحة الارهاب، جورح برينان، ولا يغفل عن أنه يتحمل مسؤولية هذه القرارات الأخلاقية. وهو مطّلع على نظريات الحرب العادلة وأعمال اغسطينوس وتوما الاكويني. لكن مقالة «التايمز» تشير الى ان وزارة الدفاع تقتل المشتبه بهم في اليمن من غير معرفة اسمائهم، وتستخدم في انتخابهم هدفاً معايير غير «شفافة» لم تُطلع عليها العامة. وإدارة اوباما تعتبر كل قتلى طائرات «درون» الذكور ممن هم في سن حمل السلاح مقاتلين من غير بيّنة، وتفترض انهم أشرار لوجودهم في المنطقة. وتعزى هذه المقاييس غير الدقيقة إلى إعلان برينان معدل ضحايا مدنيين بالغ الانخفاض. وفي خطابه الأخير، قال إن إدارة أوباما تستهدف من هم مصدر خطر فعلي وتستسيغ اعتقال على المشبته به حياً. لكن عدد المقبوض عليهم منخفض، على خلاف عدد القتلى المرتفع. ونهج ادارة اوباما سابقة قد تحتذي بها الادارات اللاحقة، وقد يلتزم خلفاؤه معايير أقل صرامة. فمن غير قواعد مكتوبة وواضحة، يسع الرئيس المقبل تفسير المعايير على هواه. وحري بالرئيس أوباما نشر معايير واضحة لاستهداف المشتبه بهم، تصوغها أطراف غير سياسية وتجعل الاغتيال الحل الأخير، وتجيز لمحكمة مراجعة الأدلة قبل قتل أميركيين، وتعلن معلومات موجزة عن الدواعي التي سوّغت القتل. * افتتاحية، عن «نيويورك تايمز» الاميركية، 30/5/2012، اعداد منال نحاس