ما زال العرض المسرحي الذي قدمته الفنانة الجزائرية الفرنسية نوارة ناغوش في أيار (مايو) الماضي ضمن المهرجان الباريسي «وحدهن على المسرح»، يستقطب النقاش والجدل، إذ صرّحت ناغوش أخيراً أنها استوحت عرضها إلى حد كبير من تجربتها الشخصية في فرنسا، بينما اكتفت في عروض سابقة بنقل مواقف خفيفة من حياتها اليومية غلّفتها بحبكة سعت إلى تأليفها بنفسها من الألف إلى الياء. وكان لا بدّ العرض الأخير أن يقوم مقام علاج نفسي لصاحبته، إذ كتبته كأنها في جلسة مع طبيب نفسي تسرد له كل ما ترغب في التعبير عنه حتى تفرغ غضبها وما في قلبها من دون أن يردّ بكلمة واحدة، وهكذا لم تردّ الورقة البيضاء بكلمة، ولا الجمهور، إلا إذا اعتُبر التصفيق الحاد في الصالة رداً. وتتناول مسرحية ناغوش (إخراج بيار غيلوا) النَّفَس العنصري البغيض، قولاً وفعلاً، الذي قد تتعرض له أي امرأة عربية في فرنسا، خصوصاً إذا كانت تتكلم الفرنسية بطلاقة وبلا أي لكنة أجنبية، ما يحول دون شكِّ كثيرين في جذورها، فيسمحون لأنفسهم بالتعبير عن آرائهم «الصريحة» والقاسية والتنميطية في المهاجرين، لا سيما العرب منهم. وناغوش جزائرية الأصل، تقيم في فرنسا، وهي متخصصة كتابةً وأداءً في المسرحيات ال «صولو» أي التي تظهر فيها وحدها على الخشبة، وكان آخرها ضمن المهرجان الباريسي الذي أقيم للمرة الثانية، وتقررت إقامته سنوياً بفضل النجاح الذي حقّقه. وفي دورته الأخيرة، قدّم مجموعة من الممثلات «مسرَحت» كل منهن نصّاً كتبته أو اختارته لتؤديه بمفردها، لأمسيات عدة، أمام جمهور مسرح «تياتر دو لويست باريزيان»، وفي إدارة مخرج أو مخرجة من اختيارها، أو قد تخرجه بنفسها إذا كانت قادرة على ذلك. ويتضح لمن حضر عرض نوارة ناغوش، أنها عانت في الماضي، وربما ما زالت تعاني، من عنصرية قد يمارسها الفرد الفرنسي، في الحياة اليومية على المغترب أو المهاجر، خصوصاً إذا كان مقتنعاً بأن «موضوع» حديثه أو حركاته لا يسمع ولا يرى شيئاً، وأن الكلام موجّه إلى فرنسي مثله. وعبّرت ناغوش في عرضها عن ألم في النفس والوجدان والذهن، تنتجه عبارات عنصرية تصفها بال «قاتلة». وتحكي كيف أنها، في أكثر من مرة، انتظرت حتى ينهي العنصري كلامه لتخبره بمنتهى البرود بأنها جزائرية، فيبدو مستمعها كمن تلقّى سيلاً من الماء المثلج، فيكتم أنفاسه، ويسعى جاهداً إلى تغيير الموضوع، أو حتى يغادر المكان. وحدث أن رد عليها أحدهم، وبأعصاب باردة أيضاً، بأنه لم يقصدها بكلامه، لأنها «عربية تأقلمت مع العقلية الفرنسية ولا تتصرف مثل العرب»! وتتطرق ناغوش أيضاً إلى التمييز الذي تتعرض له أي امرأة التي لا تطابق مواصفاتها الجسمانية تلك الخاصة بنجمات عرض الأزياء أو السينما الهوليوودية. فكم من مرة سمعت، على مدار السنوات، وما زالت تسمع، ملاحظات في شأن وزنها الذي يعتبره البعض زائداً، إلا أن هذه الناحية لا توجعها على غرار ما يحدثه في نفسها كلام تنميطي عن هويتها العربية، وهي تفضل الضحك رداً على «قليلي الذوق» الذين يعتدون على خصوصيتها الجسدية «بغباء». وتصر ناغوش، في تصريحاتها، على أنها، من خلال عرضها الأخير، أنهت عملية تحليلها النفسي، وتنوي الآن الانتقال إلى الكوميديا البهلوانية في مسرحية فردية جديدة تحضرها، وأيضاً في إشراف بيار غيلوا.