في محاولة إسقاطية لا تخلو من فطنة، قدمت نورا أمين قراءة ثرية لأهم حالات القهر التي ترزح تحتها المجتمعات العربية، من خلال مجموعة من العروض المسرحية القصيرة، وفقاً لمسرح المنتدى التابع لمنهج «مسرح المقهورين»، وبدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق). وشارك الجمهور (في العروض) الذي أُجبر على ترك نمطية تلقيّه، ليشارك فنانيه موقفاً صراعياً ينتهي نهاية مؤلمة، ويتعين على المشاهد بمساعدة الجوكر، وهو قائد الأمسية، الصعود إلى المنصة ليحل مكان إحدى الشخصيات ومحاولة الارتجال مع الممثلين لإزالة القهر أو علاجه، ما أوجد مساحات حرّة للإبداع، صنعت عالماً بديلاً تخطى جمود وكسل كل الواجهات الثقافية المعتادة مفجراً سحر المشاركة، وراسماً طريقاً جديداً لكل من رغب في ممارسة الفعل الجمالي والإبداعي في دائرة الحياة. العروض التي قدمتها نورا هي حكاية سماح، حكاية المواطن والمخبر، حكاية هاني وجاره. تتناول الأولى قضية العنف ضد النساء والثانية قضية التمييز ضد الأقليات من خلال رواية الموسيقي المسيحي وجاره السلفي الذي يعاني من اضطهاد مجتمعه، والقضية الثالثة وهي تتناول تقييد حرية الإبداع والتفكير. تشكل القضايا الثلاث الهاجس الأكبر بين مثقفي الربيع العربي عقب تزايد السخط النخبوي على النتائج المثيرة للقلق على مستقبل الدولة المدنية ومسارات التحديث في العالم العربي إثر تصاعد تيار الإسلام السياسي. وسعت نورا من خلال العروض الثلاثة إلى كشف علاقة إبداعية غير مألوفة بين الجمهور، وبين العرض المسرحي حيث يعمل مسرح المقهورين على أن يكون مرآة تمكن المشاهد أو المتلقي من التدخل لتعديل صورة الحدث، لا مجرد النظر إليها بغرض تغيير الواقع، وبناء صورته كما يحللها ويراها، وليس التماهي معه كما ينشد المسرح الكلاسيكي. تقول نورا: «حتى فترة قريبة، كنّا مصابين بالكآبة والتشاؤم من جمود وكسل في كل الواجهات الثقافية، سواء كانت حكومية أو نقابية. كان العطب والمعطوبون في كل مكان، وهذا النوع من المسرح يُقدم قضايا تهم المجتمع، ويتميز بتفاعله مع الجمهور ما يساعد على التفكير الإيجابي في قضايا القهر والصراعات على أنواعها في المجتمع بعيداً من العنف والتحايل. يُعدّ المسرح منبراً مفتوحاً لمشاركة الجمهور وتعبيره عن رأيه وإرادته الحرة لقضاياه من خلال الإطار المسرحي التمثيلي المصغر». وشارك في العروض الثلاثة رامز أشرف، محمود بدر، رفعت عبدالعليم، أسامة حلمي، ندى عبدالوهاب، أحمد هاني، أحمد يسري،ولعب دور الجوكر أحمد سالم. وتكاملت في العمل اللوحات التعبيرية والإضاءة المدروسة والموسيقية لخلق تشكيل وسينوغرافيا مميزين، أضافا الكثير إلى العروض الثلاثة. ونورا روائية وكاتبة قصصية وممثلة مسرح مصرية، قدمت العديد من الأعمال الروائية، كما قدمت أول مونودراما مصرية باللغة الإنكليزية في أوكرانيا والدنمارك وأميركا وألمانيا وبولندا وتونس ومالطا وإسبانيا. حصلت على جوائز محلية ودولية عن أعمالها، كما أنها مؤسسة المشروع المصري لمسرح المقهورين وشبكته العربية. تدربت في البرازيل على يد أوغستو بوال عام 2003، علماً أنها سبق أن ترجمت منهجه إلى الفرنسية في إصدارات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبى. وهي مؤلفة أول كتاب عربي عن المسرح وحقوق الإنسان والعديد من الكتب المسرحية. ويقع مسرح المقهورين ضمن إطار المسرح الذي يقدم نشاطاته خارج المؤسسة المسرحية بحيث يمتد إلى الشارع وكل الأماكن العامة. وقد يستمر العرض الواحد ساعات عدة تبعاً لاستجابة المتفرجين ومشاركتهم. وقد أنشأه البرازيلي أوغستو بوال وسعى من خلاله إلى إخراج المتفرجين من هامش حركة النص إلى حيز الفعل لأن فكرة المسرح تتصل بجميع المقهورين الذين أجبروا على أن يكونوا طائعين من دون أن ينالوا فرصة إسماع أصواتهم.