قال الرئيس بشار الأسد أمس ان ما تواجهه سورية «مشروع فتنة وتدمير للوطن، وأداة هذه الفتنة هي الإرهاب». وشدد على»الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية»، قائلاً: «نحن نواجه الآن حرباً حقيقية من الخارج والتعامل مع حرب يختلف عن التعامل مع خلاف داخلي أو مع أطراف سورية». وأكد ان «الأمن الوطني خط أحمر». وكان الأسد يتحدث في خطاب ألقاه امس في مجلس الشعب (البرلمان)، مخاطباً اعضاء المجلس بأنهم يبدأون الدور التشريعي «في مرحلة مفصلية تتجاوز خطورتها ما واجهته سورية منذ جلاء المستعمر الفرنسي (في منتصف القرن الماضي)، وهذا يتطلب منكم دوراً استثنائياً للتعامل مع قوتين متعاكستين: الأولى، تدفع للوراء بما تحمله من محاولات لإضعاف سورية وانتهاك سيادتها ومن قتل وتخريب وجهل وتخلف وارتهان البعض للخارج. الثانية، تدفع باتجاه الأمام بما تحمله من تصميم على الإصلاح تجلى بحزمة القوانين والدستور الجديد التي وسعت المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الوطن». وتابع انه بالإصلاحات التي أجريت في سورية «نصد جزءاً كبيراً من الهجمة علينا ونبني سداً منيعاً في وجه الأطماع الإقليمية والدولية. ونجاحنا في ذلك يعتمد على استيعابنا لمتطلبات الإصلاح على المستويين الرسمي والشعبي، والشعب الذي تمكن من استيعاب حجم وأبعاد المخطط الذي رسم لسورية وللمنطقة وواجهه بتصميم ووعي وطني كبيرين هو نفسه القادر على استيعاب متطلبات الإصلاح». وتابع انه تم إنجاز خطوات الاصلاح «ضمن الجدول الزمني المعلن بعكس توقعات الخصوم والأعداء الذين شككوا بصدق نوايانا. ورغم إنكار ما تم تحقيقه في المجال السياسي من قبل القوى الخارجية والداخلية التي راهنت على الأزمة ورغم المحاولات المستمرة لإفشال العملية السياسية، لم نتوقف عن القيام بما أعلناه وبدأنا به فكان صدور القوانين وإجراء انتخابات الإدارة المحلية ومن بعدها الاستفتاء على الدستور رداً على تلك المحاولات»، لافتاً الى ان إجراء انتخابات مجلس الشعب في موعدها «رغماً عن القتل والتهديد والإرهاب كان الرد الحاسم من قبل الشعب على القتلة المجرمين وعلى أسيادهم ومموليهم وجاءت هذه الخطوة الدستورية والديموقراطية لتوجه صفعة لهؤلاء الذين أرادوا لسورية أن تنغلق على ذاتها وتغرق بدماء أبنائها وتعود عقوداً إلى الوراء. وها هي سورية تخرج بحلة نيابية جديدة تستكمل مسيرة ما وعدنا به قبل الأزمة وخلالها وتسير نحو المستقبل بكثير من الامل والتصميم والتحدي». وقال: «اليوم وبعد سنة ونيف تتضح الأمور وتنزع الأقنعة، فالدور الدولي فيما يحصل معرى أساساً منذ عقود بل قرون مضت ولم يتغير ولا أراه متغيراً في المدى المنظور. الاستعمار يبقى استعماراً وتتغير الأساليب والهجوم، والدور الإقليمي فضح نفسه بنفسه عندما انتقل من فشل إلى آخر فيما خطط له فاضطر إلى إعلان حقيقة موقفه ونواياه على لسان مسؤوليه أنفسهم. أما بعض القوى والشخصيات المحلية والتي نصبت نفسها وكيلاً عن الشعب فرأت الشعب يعبر عن نفسه في الشارع من دون حاجة لوصي أو وكيل ينتهز الفرصة ليركب موجة عارضة ويبني لنفسه أمجاداً على حساب دماء الشعب». وأضاف الأسد: «الكثير قيل حول الحل السياسي منذ بداية الأزمة، وهناك من يتحدث عن حل سياسي وغيره من النقاط أو التفاصيل المرتبطة به، لكن أحداً من هؤلاء لم يطرح حتى الآن: ما هي العلاقة بين الحل السياسي والإرهاب الذي طغى وتزايد منذ بداية الأزمة حتى الآن؟ فهل يمنع الحوار والحل السياسي الذي نتحدث عنه الإرهابي من أن يقوم بما قام به حتى اليوم؟ وهل هذا الإرهابي قام بقطع الرؤوس والتفجير والاغتيال وبكل أنواع الإرهاب البشع لأن هناك طرفين سوريين اختلفا سياسياً مع بعضهما البعض؟ وهل هذا يعني عندما نتحاور ونتفق على حل سياسي ما، سيأتي هذا الإرهابي ويقول زالت الأسباب وأنا سأتراجع عن الإرهاب؟»، معتبراً هذا الكلام «غير منطقي»، مضيفاً ان «الإرهاب ضرب كل الأطراف من دون استثناء ولم يضرب فئة دون أخرى، ولم يكن جزءاً من خلاف سياسي ولم يقف مع طرف ضد طرف ويقرر لنفسه أن يكون موجوداً على الساحة كجزء من هذه المشكلة السياسية. ان العملية السياسية تسير للأمام ولكن الإرهاب أيضاً يتصاعد من دون توقف ولم يتراجع ولم تؤثر القوانين التي صدرت منذ بداية الأزمة عليه وجعلته يتراجع». وشدد على إن «الإرهابي لا يعنيه الإصلاح ولا الحوار بل هو مجرم كلف بمهمة، وهو لا يهتم بالإدانة ولا بالاستنكار ولا يتأثر ببكاء الأرامل والثكالى والأيتام، وهو لن يتوقف حتى ينجز هذه المهمة بغض النظر عن أي شيء ولن يتوقف إلا إذا قمنا نحن بإيقافه»، مضيفاً ان «عدم الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية هو خطأ كبير يرتكبه البعض ويعطي الشرعية للإرهاب التي بحث عنها الإرهابيون وأسيادهم منذ اليوم الأول للأحداث»، مشيراً إلى أن «الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية أساسي كي نفهم ونعرف كيف نتحرك باتجاه تحسين الظروف التي نعيش بها». وتابع: «ما نواجهه هو مشروع فتنة وتدمير للوطن وأداة هذه الفتنة هي الإرهاب، فكيف يمكن أن نربط بين العمل السياسي والإرهاب. وبالتالي فإن هذا الفصل ضروري جداً. ومع ذلك نحن منذ الأيام الأولى لم نترك طريقة سياسية إلا وجربناها، وأنا أقول هذا الكلام لأن البعض ربما يتوقع من الرئيس في كل خطاب أن يأتي بحل معجزة مثل العصا السحرية التي أتحدث عنها دائماً». مضيفاً: «لا يوجد لدينا عصا سحرية. ونحن جربنا كل الطرق السياسية من القوانين وتغيير الدستور والعفو عمن تورط وما زلنا مستمرين بهذا الموضوع، وحتى الحوار الوطني قلنا لا يوجد مشكلة فيه كمبدأ، لكن هذا الحوار في حاجة إلى تهيئة وإلى أطراف معروفة تتفق وعندها نستطيع أن نصل إلى الحوار الوطني». وزاد: «كل الطروحات السياسية وافقنا عليها وكنا مرنين جداً، لكن هناك فرقاً بين أن نقوم بعملية سياسية ونعتقد أنها ستنتج ونصاب بالإحباط ويكون الإرهاب قد قطع مراحل للأمام وبين أن نعرف أن هذه العملية السياسية نحن نحتاجها بغض النظر عن موضوع الإرهاب. وعندما نقول إن القضية قضية إرهاب فنحن لم نعد في الإطار الداخلي السياسي بل نحن نواجه الآن حرباً حقيقية من الخارج. والتعامل مع حرب يختلف عن التعامل مع خلاف داخلي أو مع أطراف سورية. وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة». وأكد الرئيس الأسد أن «أي عملية سياسية لا ترتكز على الحالة الشعبية ليست لها قيمة من الناحية الفعلية، والحالة الشعبية عبرت عن نفسها حيث نزل الملايين من الناس إلى الشوارع رجالاً ونساء وشباباً وشابات وأطفالاً وشيوخاً وعبروا بشكل واضح عن رفضهم للتدخل الأجنبي والارتهان للخارج ورفضهم للمساس بوحدة الوطن ووحدة أراضيه ونسيجه الاجتماعي. كما عبرت عن نفسها بالمشاركة في الانتخابات في هذه الظروف الصعبة وقبلها في انتخابات الإدارة المحلية وفي المشاركة الواسعة بالاستفتاء على الدستور رغم التهديد والإرهاب». ومضى قائلاً: «نحن مستعدون للحوار وأبوابنا مفتوحة للحوار وهناك قوى معارضة مختلفة، أقصد متنوعة، والبعض منها أعلن عن رغبته واستعداده للحوار والبعض الآخر لم يعلن. جزء من قوى المعارضة الوطنية شارك بالانتخابات (التشريعية) وعبر عن رغبته فعلاً واستعداده للحوار وهو موجود معنا في هذه القاعة وأتى إلى مجلس الشعب من خلال القاعدة الشعبية التي يمثلها. لكن هناك جزءاً آخر من المعارضة حتى الآن ما زال ينتظر التوازنات في الخارج (...) والبعض ينتظر الإشارات من الخارج»، مؤكداً ان «الأبواب ما زالت مفتوحة ونحن على استعداد دائماً للبدء بالحوار من دون شروط باستثناء القوى التي تتعامل مع الخارج ومرتهنة له، والقوى التي طالبت بالتدخل الخارجي أو التي انغمست مباشرة بدعم الإرهاب». وجدد التأكيد على أن أبواب سورية «مفتوحة لكل من يريد اصلاحاً حقيقياً وحواراً صادقاً وأن قلوبنا مفتوحة لإشراك كل سوري صادق في مسيرة النهوض بالدولة، ولا رجعة عن كل ما قمنا به من اصلاحات وانفتاح». وأكد أن «الارهاب لا يرتبط بالعملية السياسية وهو يستهدف الوطن، كل الوطن، بشعبه ومؤسساته وأحزابه، وهو حالة منفصلة وعلاجه مختلف لا يخضع لأي من المعايير التي سبق ذكرها. وعلينا إذاً أن نكافح الارهاب كي يشفى الوطن، ولا تساهل بالتالي ولا مهادنة معه ولا مع من يدعمه، ولا تسامح إلا مع من تخلى عنه، وسنستمر بالحزم في مواجهته بالتوازي مع فتح الباب لكل من يريد العودة عنه في حال لم تتلوث يداه بالدماء، وقد استجاب الآلاف من المتورطين بحمل السلاح وتسامحت معهم الدولة»، مجدداً ان «الأمن الوطني خط أحمر وقد يكون الثمن غالياً وهو حتى الآن ثمن غال دفعته سورية والوطن، لكن مهما كان الثمن غالياً فلا بد من أن نكون مستعدين لدفعه حفاظاً على وحدة النسيج والمجتمع السوري وعلى قوة سورية». الى ذلك، قال الرئيس السوري ان «الرمادية الوطنية لم تعد مقبولة. في خطابي السابق أمام مدرج الجامعة تحدثت عن الرمادية بأنها لم تعد مقبولة ففهم البعض بأنني أقوم بإلغاء أطياف سياسية. يعني يا أبيض يا أسود. والحقيقة أن هؤلاء لم يفرقوا بين الرمادية السياسية والرمادية الوطنية، وعندما يكون هناك أحزاب داخلية أو تيارات سياسية أو أشخاص سوريون في حالة خلاف أو تنافس أو تناقض أستطيع أن أقف في المنطقة الرمادية لا مع الأول ولا مع الثاني ولا مع الثالث أو الرابع. أما عندما تكون القضية وطنية وتكون المشكلة بين وطني وأوطان أخرى فأنا حتماً مع وطني وإلا أكون خائناً. فالرمادية الوطنية غير مقبولة، وأنا لا أتحدث عن رمادية سياسية. البعض يقف في موقف الرمادية الوطنية ويقول هذه رمادية سياسية وهذا ما أقصده بالرمادية الوطنية». وتطرق الاسد الى مجزرة الحولة في حمص، قائلاً: «في الأسبوع الماضي وبعد مجزرة الحولة الشنيعة اتهموا القوات المسلحة، وقالوا في البداية إنها بسبب قصف مدفعي ودبابات، لكنهم تراجعوا عن هذا الطرح فوراً لأنهم شعروا بالاحتضان الشعبي وشعروا بأن اتهام القوات المسلحة بالجريمة هو اتهام لكل مواطن سوري من دون استثناء بأنه مجرم وإرهابي، فانتقلوا الى الحديث عن ميليشيات موالية للدولة كما أطلقوا عليها التسمية». وزاد ان «ما حصل في الحولة والقزاز والميدان ودير الزور وحلب وأماكن أخرى كثيرة في سورية وصفناه بالمجازر البشعة والشنيعة والوحشية. وفي الحقيقة حتى الوحوش لا تقوم بما رأيناه وبخاصة في مجزرة الحولة. وأعتقد أن اللغة العربية وربما اللغة البشرية بشكل عام غير قادرة على وصف ما رأيناه. ونحن كسوريين عايشنا هذه المرحلة وسنبقى نشعر بالخجل كلما تذكرناها طالما أننا أحياء ونتمنى ألا تبقى في ذاكرة الأبناء والأحفاد بل أن تبقى الدروس من هذه الأزمة من دون أن تبقى الصور والمشاعر موجودة في مجتمعنا». وزاد ان «السؤال البديهي الذي نسأله في مثل هذه الحالة: من هو المستفيد؟ وهل قامت الدولة أو موالون للدولة بهذا العمل قبل زيارة (مبعوث الاممالمتحدة) كوفي انان كي تفشل خطته، ونحن نعرف من يريد أن يفشل خطة وزيارة انان؟ هل قامت الدولة أو الموالون للدولة بهذا العمل كي تستجلب المزيد من العداء في مجلس الأمن الذي يطغى عليه اللون المعادي بكل الأحوال؟ هذا الكلام غير منطقي». موضحاً ان «القضية بسيطة وبديهية، بدأوا بمراحل في هذه الأزمة: بدأوا بحالة الثورة الشعبية التي توقعوا أن تندلع خلال أسابيع وفشلوا فيها حتى رمضان (الماضي). وبعد رمضان بدأوا بالعمل المسلح وأرادوا منه مواجهة الجيش والأمن والشرطة وفشلوا. انتقلوا بعدها لمرحلة الاغتيالات والتفجيرات وإرهاب المواطنين في شكل مباشر وكان الشعب صامداً وفشلوا. فكان لا بد من العمل على خلق فتنة طائفية. أنا أعتقد أن هذه الحالة وهذا الكرت (البطاقة) هو الكرت الأخير بالنسبة لهم وهو يدل على الإفلاس»، داعياً «الأشخاص الذين يأخذهم الانفعال إلى الحد الأقصى كي يغيروا طريقة تفكيرهم» مشيراً الى ان «الأزمات تظهر المعدن الحقيقي للشعوب والأمم الحضارية فإذا كنا حضاريين فأول ميزة للأمم الحضارية عندما يكون هناك ملمة أو أزمة حادة فيتوحد الشعب وليس العكس. الأمم غير الحضارية تظهر ثغراتها ومشاكلها وانقساماتها في الأزمات. فأنا أتمنى فعلاً أن نثبت كما نقول دائماً بأننا شعب حضاري ننتمي لواحدة أو لعدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض»، مؤكداً ان «نقف صفاً واحداً مع الوطن ويجب أن يشعر كل واحد منا بأنه مسؤول عن القيام بواجبه لإنقاذ الوطن».