كان برنار هنري ليفي يأمل بأن يكون عرض فيلمه «التسجيلي» المعنون «قسم طبرق» مفاجأة مهرجان «كان» الكبرى، حتى وإن كان الفيلم قد عرض على هامش المهرجان. فالرجل كان يرى ان سمعته والصخب الإعلامي الذي يثار دائماً من حوله كافيان، بالتضافر مع ما تبقى من سمعة لما كان يسمّى ب «الربيع العربي»، لتحويل الفيلم الذي حققه في ليبيا خلال احداثها الصاخبة والدامية في العام الفائت، الى قضية كبيرة تثير سجالات وصخباً. غير ان لا شيء من هذا حدث... فالقلة من الناس التي وقعت في «فخ برنار هنري ليفي وصخبه الإعلامي المدفوع الثمن غالباً»، وفق تعبير ناقد فرنسي يعرف الرجل جيداً، خرجت من الفيلم ضاحكة هازئة ومندهشة امام كاتب لا يتوقف، منذ ثلث قرن وأكثر عن «حشر أنفه» في كل قضية وفي كل القضايا باحثاً لنفسه عن دور ما... لم يستطع العثور عليه حتى الآن على رغم إنفاقه بسخاء للوصول الى ذلك. نحن نعرف ان كثراً من الناس، ومن بينهم مثقفون عرب، يكرهون هنري ليفي لصهيونيته. غير ان هذه الصهيونية نفسها، حتى، هي ليست اصيلة لديه. بل هي مجرد ايديولوجية يستخدمها حين يحتاج الأمر ذلك. ويسكت عنها حين يخيّل اليه ان اموره تسير من دونها. فهو بدأ حياته «الفكرية» والسياسية بالتالي، في سبعينات القرن العشرين ماويّاً، حين كانت الماوية على الموضة. ووضع كتباً عدة ضد الجمودية الشيوعية... لكنها اتت منتفخة بحسّ العظمة يموّلها من ثروة ابيه تاجر الأخشاب الموروثة. كان كل ما يريده منذ البداية ان يتم الاعتراف به كمفكر/فيلسوف، لكن ما من احد اقرّ له بذلك... مع انه راح يصدر كتاباً تلو الآخر. فقط غلاة اليمينيين الإسرائيليين أخذوه على محمل الجدية وراحوا يمعنون في نفخه هو الذي وجد نفسه بسرعة منسجماً مع أفكارهم. ثم حين بدأت تظهر قضايا مثل رواندا والبلقان وبخاصة البوسنة، راح يحشر نفسه في كل منها يعزز حضوره ثراؤه والدعم الإعلامي الفرنسي الذي نظر اليه كظاهرة لا كمفكر. اما اليوم فها هو – كما يرينا الفيلم المرتبط بكتاب اصدره حول الموضوع نفسه – في ليبيا. وفي الفيلم، على مدى ما يقرب من ساعتين نجده في كل لقطة وفي كل اجتماع بين الثوار وفي كل لقاء شعبي أو نخبوي. في النهاية يبدو هذا الفيلم الذي يعتبره صاحبه «مذكرات كتبت يوماً بيوم في سياق الحدث الثوري الكبير»، يبدو فيلماً عن ليفي نفسه، وليس فقط بوصفه شاهداً على الثورة الليبية بل اكثر من هذا، بوصفه صانعا لهاً... وأمام مثل هذا «الاقتراح» الذي يلوح في كل لقطة وثانية في الفيلم، لم يبق امام القلة التي صمدت في الصالة حتى النهاية إلا ان تضحك... ليفشل الكاتب/السينمائي/ الفيلسوف/تاجر الخشب/ و «دلوع» الإعلام الفرنسي، مرة أخرى في فرض نفسه كمفكر من طريق فيلم منتفخ بالأنا إلى درجة لم يسبق لها مثيل.