شهدت جلسة مجلس الوزراء اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس مناقشات ساخنة في شأن قضية الجباة المياومين في شركة كهرباء لبنان وحول مسألة الإنفاق، ما أدى إلى تأجيل مناقشة مشروع موازنة العام الحالي وانتهت الجلسة إلى تكليف وزير الداخلية مروان شربل التفاوض مع مياومي الكهرباء، فيما تأجل البحث في اقتراح من وزير المال محمد الصفدي بسلفة خزينة بقيمة 100 مليون دولار (150 بليون ليرة) لمشاريع تتعلق بمدينة طرابلس بعد خلافات حول قانونية الإنفاق، ما دفع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى التذمر من عدم قدرة الحكومة على صرف الأموال متسائلاً: «لماذا نستمر إذاً؟ (في الحكومة)؟»، فرد عليه وزير الأشغال غازي العريضي قائلاً: «أنت يا دولة الرئيس على موضوع أخطر من هذا (مطالبة المعارضة باستقالته) أجبت بأنك لن تستقيل». واتفق على البحث في صيغ للإنفاق المالي في جلسة تُعقد الأربعاء المقبل برئاسة سليمان، وكان الأخير افتتح جلسة الأمس بالتأكيد أن «ما ينغص ذكرى عيد التحرير الذي هو مدعاة فخر واعتزاز للبنانيين أمران: الأول خطف 11 لبنانياً من قبل مجموعة سورية». وشدد على أنه يعمل بعيداً من الإعلام لكشف الغموض الذي يكتنف مصيرهم. وقال إن الأمر الثاني هو «أننا كلبنانيين لم نكن على قدر التحرير، إذ أن من حرر بلاده وهزم الإرهاب وبنى مغتربات العالم لا يستطيع بناء بلده وهذا يدعو إلى العجب». وأوضح سليمان أنه في صدد القيام بجولة خليجية «موضوعها الأساسي القرار الصادر بمنع أو تحذير سفر الإخوة الخليجيين إلى لبنان»، مشيراً إلى أنه سيزور الكويت نهار الأحد المقبل، ومتمنياً أن يكون قد أُخلي سبيل المخطوفين قبل هذه الزيارة، علماً أنه في حال عدم إطلاق سراحهم ستكون مسألتهم على جدول أعمال محادثاته. وأشار سليمان إلى الدعوة التي أطلقها للحوار، مشدداً على أن «قدر اللبنانيين هو التحاور»، لافتاً إلى أن الحوار هو «خارج نطاق السلطات الدستورية التي تقوم بواجباتها، وهذا الحوار من دون أي شروط مسبقة، هو لإبقاء التواصل دائماً بين كل الشرائح اللبنانية، والالتفات إلى الأهداف الاستراتيجية التي تحمي لبنان»، معرباً عن أمله في أن تكون هذه الدعوة، «في ظل الأحداث التي شهدناها، فاتحة خير على البلاد»، وموضحاً أنه تلقى تشجيعاً على إجراء هذا الحوار من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في رسالته التي تلقاها منه الأسبوع الماضي. وتلاه ميقاتي الذي تمنى درس مشروع الموازنة المعروض على الجلسة والإسراع في إقراره «مع الأخذ في الاعتبار ظروف الدولة المالية». ودعا إلى درس الملاحظات «التي تجعلنا نتفادى ردود الفعل السلبية للجهات المعنية بالوضع الاقتصادي». وتناول ميقاتي ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي (غداً) فحيا روح الشهيد واستذكر مواقفه «ودوره الرائد في الحياة السياسية اللبنانية»، وأكد «التمسك بالمبادئ والثوابت التي كان وفياً لها واستشهد من أجلها، وهو بات رمزاً من رموز لبنان الذين ناضلوا في سبيل استقلاله ووحدة شعبه وميثاق العيش المشترك بين أبنائه». وقال: «نرى أن المخطط الذي نفذ باستشهاده لضرب وحدة لبنان واللبنانيين ومنع التلاقي في ما بينهم، تكرر في السنوات الماضية من خلال استهداف قيادات لبنانية كبيرة، وهو يطل اليوم من جديد بأشكال مختلفة بهدف شق الصف اللبناني وزرع الفوضى على الساحة اللبنانية، وضرب رسالة العيش المشترك التي يصونها الدستور والتي كانت وستبقى في صلب وجود لبنان». وأضاف ميقاتي: «كما واجه اللبنانيون المخططات المشبوهة التي حرمتهم خيرة قياداتهم، وفي مقدمهم الرئيس كرامي، وتمكنوا من التغلب عليها، كذلك هم مدعوون اليوم مع قياداتهم إلى الإدراك أن مصلحتهم الأساسية تكمن في نبذ الخلافات وعدم السماح لمريدي الشر لبلدهم بالنفاذ إلى الساحة اللبنانية عموماً، والساحة الطرابلسية والشمالية خصوصاً، من أبواب هذه الخلافات لتحقيق ما يخططون له عبر إضعاف الدولة ومؤسساتها من جهة وتعطيل الحوار للتفاهم على الأمور المصيرية». ودعا «رغم ما يحيط بنا من قلق واضطراب، إلى التلاقي في حوار جدي وإحياء الوحدة الوطنية وإعادة الثقة بين القيادات اللبنانية». وعرض وزير الإعلام وليد الداعوق المواضيع التي بحثها مجلس الوزراء ومنها قضية مياومي مؤسسة الكهرباء واعتصامهم «الذي تعدى حدود حرية التعبير السلمي المتعارف عليها وإشغالهم بصورة غير شرعية لمؤسسة كهرباء لبنان ودوائرها ومكاتبها». وقال إن المجلس «أمام ظاهرة تنامي إقدام بعض الأشخاص في قطع الطرقات الرئيسة لأي سبب كان، قرر التشدد على الأمن وبسط سلطة الدولة وإعادة هيبة الدولة وتوقيف من تسوّل له نفسه التطاول على القانون». الحلول أمنية أم سياسية؟ وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن الاعتصامات التي نفذها مياومو الكهرباء أمس وعملية قطع الطرقات طغت على الجلسة (عددهم 1400 قرر مجلس الوزراء تثبيت 700 منهم بمباراة حصرية على أن تتولى شركات الجباية التي لزمت هذا العمل توظيف ما تيسّر من الباقين). وذكرت المصادر أن وزير الطاقة جبران باسيل عرض واقع التحرك الذي قام به هؤلاء مشدداً على أنهم «قطّاع طرق»، ومتهماً إياهم بحمل السكاكين، ومطالباً بأن تتولى القوى الأمنية قمع تحركهم ومنعهم من دخول مباني مؤسسة الكهرباء بعد أن هددوا بذلك. وإذ أيّد عدد من الوزراء طرح باسيل، دعا وزراء آخرون إلى عدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية للمسألة والاستعانة بقوى الأمن الداخلي. وسأل بعض الوزراء: كيف نضع الدرك بوجه الناس وإذا الدرك لم يتورط في الحوادث التي حصلت في منطقة الشمال نسبب مشكلة الآن بينهم وبين المياومين في كل المناطق؟ وفيما طرح بعض الوزراء الإتيان بقوى الأمن من كل المناطق إلى بيروت لحماية مؤسسة كهرباء لبنان، سأل الوزير العريضي: «وماذا عن تحرك المياومين الذي شمل البقاع والجنوب وكل المناطق؟ هل نذهب إلى مواجهة؟. تحكون عن مياومين في الكهرباء لكن حين يصبح بعض السياسيين مياومين في العمل السياسي نصل إلى هذا الوضع. وتصويرهم على أنهم حملة سكاكين غير معقول. هم محميون من قبل أطراف في البلد والقضية سياسية فلماذا نذهب إلى الحل الأمني؟ ونحن لا نوافق كما لا نقبل تهديداً من أحد بتخريب مؤسسات الدولة. إلا أن هؤلاء لا يتحركون بالعشرات بل بالمئات في كل المناطق. ولتتحمل الدولة المسؤولية ولكن لتتحمل القيادات السياسية المسؤولية أيضاً». وإذ دعا العريضي إلى أخذ الأمر بسعة صدر وحكمة، كلّف مجلس الوزراء وزير الداخلية مروان شربل التفاوض مع المياومين. وقبل أن يغادر الجلسة إلى مقره لاستقبالهم اتفق على أن يتحرك القضاء وأجهزة الأمن لضبط الوضع الأمني. وقال شربل: «أتمنى على القوى السياسية أن تساعدنا في هذا الموضوع، مثلاً حركة «أمل» وغيرها»، فأثار ذلك حفيظة وزير الصحة علي حسن خليل الذي قال بحدة: «لا علاقة لنا بهذا الأمر ولا يقحمنا أحد في هذا الموضوع ولا نقبل بأن يتهمنا أحد». وجرى نقاش لم يخلُ من الحدة في صدد دور القوى السياسية في ضبط احتجاجات المياومين، انتهى بتفاوض الوزير شربل معهم. وتردد أن لجنة المياومين قبلت برفع عدد الذين يمكن تثبيتهم إلى ألف مياوم. الإنفاق: عود على بدء وكشفت المصادر الوزارية ل «الحياة» أن مجلس الوزراء لم يبدأ في جلسة الأمس مناقشة مشروع الموازنة. وطرح الوزير الصفدي مشروعاً لحصول وزارة المال على سلفة خزينة تسدد لاحقاً من الموازنة بقيمة 150 بليون ليرة لتنفيذ مشاريع عاجلة في مدينة طرابلس من قبل الهيئة العليا للإغاثة، إلا أن المشروع لقي اعتراضاً من وزراء «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي أي الوزير باسيل ووزير الاتصالات نقولا صحناوي وغيرهما وتساءلوا عن دور الوزارات المعنية وأسباب حصر الإنفاق لطرابلس بالهيئة العليا للإغاثة، فيما اعترض بعضهم على صيغة سلف الخزينة باعتبارها غير قانونية، في وقت كان وزراء التكتل ونوابه أثاروا عدم قانونية الإنفاق بلا قانون يشرّعه من قبل حكومتي الرئيس فؤاد السنيورة السابقتين. وأوضحت المصادر الوزارية أن تبايناً ظهر في الموقف من السلفة لهيئة الإغاثة بين وزراء العماد ميشال عون وبين وزراء حركة «أمل» إذ أن الوزير حسن خليل وافق على السلفة، وقال: «نحن نمشي بالسلف ولا يزايدن أحد علينا». كما وافق وزير الزراعة حسين الحاج حسن على العودة إلى اعتماد مبدأ السلف، فيما لم يتحمس لها وزير التنمية الإدارية محمد فنيش الذي كان يميل إلى مراعاة رفض وزراء عون لها. واعترض العريضي على المشاريع الواردة في مشروع السلفة وتشمل تزفيت طرقات في طرابلس قائلاً: «نحن مع صرف 100 مليون دولار لطرابلس وهذا قليل عليها واقترح تخصيص 100 مليون أخرى للمنية والضنية وعكار. وحين كنا نتحدث بالأسباب الاجتماعية للأحداث في الشمال وعن الفقر كان غيرنا يتحدث عن الحلول الأمنية وعن الإرهاب في الشمال». وأضاف: «لنكن صريحين. هذا المبلغ يطرح لإنفاقه على أبواب الانتخابات النيابية المقبلة وهو رد على الفريق الآخر. وطالما نحكي من الزاوية السياسية سيقال إن له علاقة بالانتخابات وسيقال إننا استفقنا على أوضاع طرابلس وإننا نستغل الأوضاع لحسابات سياسية. فضلاً عن أن هناك مشاريع كثيرة تم تلزيمها في طرابلس بعضها لمجلس الإنماء والإعمار ولا أحد يحاسبه إذا تأخر أو نفّذ، ونحن كوزارة أشغال لا يحق لنا التدخل. ثم في السلفة مشاريع تزفيت طرقات بمبالغ معينة. من سأل الأشغال عن حقيقة كلفتها؟ ومن سألها إذا كانت من ضمن موازنتها أم لا؟ هل نتجاوز كل هذه الأمور إذا كنتم قررتم أن تقوموا بشيء من الواجب مع طرابلس». وتابع: «أنا لست ربع وزير رغم أنني مستعد أن أبقى مقيماً في المدينة وأقف على محدلة الزفت وأنا أعرف أين كانوا الآخرين في خصوص مشاريع المرفأ وغيره». وأشارت المصادر الوزارية إلى أن النقاش أدى إلى إجماع من الوزراء على أن إنفاق المبلغ يجب أن يتم عبر الوزارات وعلى أن تصرف السلفة لمصلحة وزارة المال على هذا الأساس، بعد نقاش حاد ساد الجلسة. وعلمت «الحياة» أنه أثناء النقاش حول حق مجلس الوزراء بالصرف بسلفة خزينة الذي اعترض عليه الوزير باسيل، قال وزير البيئة ناظم الخوري إذا كانت الحكومة غير قادرة بعد مضي قرابة سنة على قيامها، على حل مسألة الإنفاق، على رغم أنها تمثل أكثرية نيابية ورئيس البرلمان من الخط السياسي نفسه لهذه الأكثرية والكتل الموجودة فيها موجودة في البرلمان فهذا يعني أنها غير قادرة على معالجة مشاكل البلد وأنها لا تستطيع أن تعالج مشاكل الناس وبهذا الوضع لا نستطيع أن نحاسب من أنفق ولا نستطيع أن ننفق. ثم قال ميقاتي: «طالما القضية هكذا فما هو مبرر أن نبقى (كحكومة) ونحن أمام مشكلة نحلها أو لا نحلها. موظف لا نستطيع أن نعيّن وأموال لطرابلس لا يمكن أن نصرف. وفي كل مرة نضع جدول أعمال للجلسة تظهر أمامنا عراقيل فما مبرر أن نبقى؟ أنا أسأل نفسي ماذا أفعل هنا؟ ثم الجيش ليس لديه المال الكافي ليتحرك وسائر القوى الأمنية. من المؤكد أنني لست مسروراً بما يحصل». وأجابه العريضي: «طوّل بالك دولة الرئيس على موضوع أخطر من هذا قلت إنك لن تستقيل. نحن مع السلف ولنملك شجاعة الإنفاق عبرها ولا يجوز العناد عند كلمة زعيم أو سياسي. ولنتفق على هذا الأمر». ورد الوزير علي حسن خليل: «نحن حريصون على ألا تهتز الحكومة».