أظهرت الأجواء السياسية التي سادت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء اللبناني، أن منسوب التصدع داخل الحكومة أخذ يرتفع تدريجاً ليقترب من تجاوز الخط الأحمر، ليس بسبب الاختلاف على إيجاد مخرج للإنقاق المالي الذي كان وراء تأجيل البحث فيه إلى الجلسة المقررة الأربعاء المقبل فحسب، وإنما لتعذر الاتفاق على التعيينات الإدارية في ظل إصرار رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون على أن يلعب ورقته السياسية الأخيرة ضد كل من يقف في وجه وصوله إلى رئاسة الجمهورية، مع أن تبادل الحملات لم يكن حاضراً على طاولة مجلس الوزراء. ولعل الإنذار الذي أطلقه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بقوله: «لا يمكنني الاستمرار هكذا في حكومة لا إنفاق فيها ولا تعيينات... إلا إضرابات وتظاهرات ومشكلات اجتماعية»، يعكس واقع الحال الذي آلت إليه الأوضاع داخل الحكومة، خصوصاً أنه أرفقه بالسؤال: «إذا كانت الحكومة بلا صرف ولا إنتاج، ولا قدرة لها على اجتراح أي حلول، فما معنى بقائها؟ وهل من مبرر لوجودي على رأس هذه الحكومة؟»، ناهيك بأن ميقاتي هدد بأنه سيكون لكل حادث حديث إذا لم ينعقد مجلس الوزراء في غضون اليومين المقبلين ويوجد المخرج المطلوب لتأمين مبلغ يتراوح بين 900 و1000 بليون ليرة لضمان استمرار عجلة الدولة وإخراج البلد من الجمود القاتل، ما اعتبره وزير الطاقة جبران باسيل بمثابة تهديد مبطن بالاستقالة، ملوحاً في أن المبادرة بالاستقالة هي بيد وزراء «تكتل التغيير والإصلاح»، بذريعة أن هناك من يستخدم الشارع والمكاتب ويهدد رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء لبنان (كمال حايك)، في إشارة إلى إحراق المياومين في الشركة إطارات المطاط أمام مبناها احتجاجاً على عدم تسوية أوضاعهم. سليمان كما أن باسيل رفض باسم وزراء التكتل حضور الجلسة في حال انعقادها في اليومين المقبلين بذريعة أن بعضهم مضطر للسفر وأن لا مانع أن تعقد الأربعاء المقبل. لذلك، فإن سير المناقشات في الجلسة ينم عن أن مجلس الوزراء بدأ يعاني من حالات غير صحية تتراوح بين الإرباك والتردد والارتجال في ضوء عدم قدرة معظم الوزراء المنتمين إلى قوى 8 آذار على إقناع رئيس الجمهورية ميشال سليمان بضرورة إعادة النظر في موقفه الرافض للتوقيع على مشروع قانون صرف 8900 بليون ليرة لتغطية الإنفاق لعام 2011 ما لم يؤخذ بالتعديلات المقترحة عليه من لجنة المال والموازنة إضافة إلى الملاحظات التي تقدم بها وزير المال محمد الصفدي. ونقل الوزراء عن سليمان قوله في مستهل الجلسة: «أتمنى الكف عن مراجعتي في هذا الموضوع، فأنا استشرت قانونيين وقدموا لي آراء دستورية وقانونية اقتنعت بنتيجتها بوجهات نظر عدة أجمعت على عدم توقيعي المرسوم لأنه مخالف للدستور ولا بد من أن يؤخذ بالتعديلات المقترحة عليه. ووزير المال أكبر شاهد على ما أقوله وهو كان تقدم بملاحظات». إلا أن بعض الوزراء المنتمين إلى قوى 8 آذار حاولوا إيجاد مخرج جديد لتأمين الإنفاق المالي من خلال القول إن الضرورات تبيح المحظورات إنما على قاعدة احترامهم الصلاحيات المناطة برئيس الجمهورية. وفي المقابل، اقترح ميقاتي التفاهم على حل ينتشل البلد من الركود وقال إن قانون المحاسبة العمومية يتضمن في أحد مواده مخارج للإنفاق العام في حالات معينة لسداد خدمة الدين العام ودفع الرواتب وتغطية العجز في الكهرباء، لكن الوزراء فوجئوا بمداخلة لوزير الأشغال العامة غازي العريضي قال فيها إن قانوناً صدر في شباط (فبراير) عام 1991 يحمل الرقم 14/ 41 ألغى بموجبه القانون القديم وأصبح من غير القانوني أن يقرر مجلس الوزراء صرف السلف من خارج الموازنة. ومنذ عام 1991 إلى عام 2011 كانت الحكومات تتصرف بطريقة غير قانونية ولو أنها أرادت أن تلبي حاجات الدولة والمواطنين. وسأل العريضي - وفق ما نقل عدد من الوزراء إلى «الحياة»: «إذا كان في مقدورنا الاستناد إلى هذه المادة في قانون المحاسبة العمومية، مع أنها ألغيت، فلماذا كل هذا اللف والدوران ولماذا غرقنا وأغرقنا البلد في دوامة من التردد والارتجال وماذا سنقول للبنانيين بعد أن أمضينا فترة طويلة ونحن نبحث عن مخارج للإنفاق المالي طالما أن في وسعنا اعتماد مثل هذا المخرج، إضافة إلى أن اعتماده يبرّر للحكومات السابقة ما أنفقته من مال؟». الصفدي وفتوش وما إن انتهى العريضي من مداخلته حتى توالت ردود الفعل من قبل الوزير الصفدي الذي نقل عنه قوله إن اعتماد هذا المخرج يعني أن لا مشكلة في الإنفاق الحاصل من قبل الحكومات السابقة على أن تقوم بالتدقيق في الجداول والأرقام إضافة إلى عدم معارضة وزير الدفاع الوطني فايز غصن معظم ما قيل في هذا الخصوص مع أن بعض حلفائه عبروا على طريقتهم عن امتعاضهم من تبنيه وجهة النظر هذه. ولم تقتصر ردود الفعل على مداخلة العريضي عند هذه الحدود، وانبرى وزير الدولة نقولا فتوش بسؤاله: «من الذي وضع يده على مشروع ال8900 بليون ليرة أولاً، لجنة المال والموازنة أم رئيس المجلس النيابي (نبيه بري)؟». فقيل له إن الأخير أحال المشروع معدلاً على لجنة المال لدراسته فرد فتوش بأن صفة المعجل المكرر أسقطت عن المشروع الذي هو الآن بيد السلطة التشريعية وبالتالي لا نستطيع أن نحمّل رئيس الجمهورية أي مسؤولية. وهو على حق عندما رفض التوقيع عليه. ولم يعد من حل إلا في إقراره في الهيئة العامة. وأيد الصفدي ما قاله فتوش، مضيفاً أن هناك حاجة لمزيد من المشاورات لإقرار المشروع في البرلمان، فيما فضل وزراء «8 آذار» عدم الدخول في سجال حول ما قيل دفاعاً عن موقف رئيس الجمهورية. وأثير مجدداً ملف «داتا الاتصالات» بعدما بادر وزير العدل شكيب قرطباوي إلى القول إن وزير الداخلية والبلديات مروان شربل انتقد ثلاثة من كبار القضاة في الهيئة القضائية المكلفة بت تسليم الداتا «حركة الاتصالات» واتهمهم بالتقاعس فرد عليه الأخير بأن الوزارة أرسلت بعد محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، طلباً لتسليم الداتا فجاء الجواب أن الهيئة القضائية تطلب تعديل الطلب وسارعنا إلى إدخال التعديلات المقترحة على الطلب وجاءنا الجواب من الهيئة بعد خمسة أيام بتكرار تعديل الطلب وتكرر الأمر للمرة الثالثة. وتساءل شربل كيف يمكن المضي في التحقيق طالما أن الجهات المختصة لم تحصل حتى الآن على داتا الاتصالات. وانتهى النقاش على أن يعقد لقاء بين الوزيرين والهيئة القضائية بغية التوصل إلى حل يسرّع التحقيق الرامي إلى كشف الجهة التي تقف وراء محاولة اغتيال جعجع. وعليه، فإن واقع الحال الذي وصلت إليه الحكومة لا يشجع على استمرارها، لا سيما أن حال القرف لدى رئيسها بلغت ذروتها، ليس بسبب الاختلاف على تسوية الإنفاق الحكومي، وإنما لشعور المواكبين لما يدور في داخلها من سجالات عقيمة، بأنها تحولت إلى جزر سياسية وأن عون يتطلع إلى «تطويعها» مستفيداً من دعم حلفائه غير المحدود له وبلا شروط، مع أنه من خلال مواقفه يزيد من درجة الاحتقان المذهبي والطائفي وكأنه يخطط للانقلاب على المصالحة التي حصلت في الجبل برعاية البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير قبل أن يخلفه البطريرك بشارة الراعي وإلا لماذا يصر على «نبش القبور» في هجومه السياسي على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط؟ وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية وأخرى روحية بأن إصرار عون على استحضار محطات من الحروب التي عانى منها لبنان سيصطدم بممانعة سياسية يبقى عمودها الفقري المصالحة التي تحققت في الجبل وهو كان حاول استحضار مثل هذه المحطات في الانتخابات النيابية عام 2009 لكنه أخفق في كسب تأييد غالبية المسيحيين لمواقفه في الشوف وعاليه. ووفق المعلومات، فإن مواقف عون لقيت احتجاجاً مسيحياً وصل صداه إلى البطريرك الراعي الذي يجول حالياً على المغتربين في كندا والمكسيك ويفترض أن يتدخل في الوقت المناسب لحماية المصالحة وصونها لأن الاختلاف على التعيينات وإدارة الشأن العام لا يبرر لزعيم «التيار الوطني الحر» استحضاره في كل مرة محطات مأسوية من تاريخ لبنان ظناً منه أنه يستنفر المسيحيين ضد جنبلاط على رغم أنه خبر مثل هذه التجربة في الماضي وارتدت عليه سلباً.