يبدو أن الأوضاع في مصر باتت غير مطمئنة عقب فوز مرشح تنظيم الإخوان المسلمين بأكبر نسبة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية... ناشطون سياسيون، وحقوقيون ورموز أصبحت وجوههم «أيقونات» لثورة 25 كانون الثاني (يناير) «المسروقة» يتحسسون حالياً جوازات سفرهم ل«يخلعوا» خوفاً من المستقبل المظلم الذي ينتظر بلادهم إن حكمتها «الجماعة»... هذا الكلام ليس من عندي بل ما صرح به كثيرون منهم علانية عبر حساباتهم في شبكات التواصل الاجتماعي، لكن الكوميديا السوداء الحقيقية تجلت في خبر بثته وكالة الأنباء الألمانية عن شاب مصري لا علاقة له بالأحزاب السياسية تم القبض عليه متلبساً في مطار القاهرة وهو يحاول الهرب إلى إسرائيل لينفد بجلده! الخبر الطريف أوضح أن سلطات مطار القاهرة تمكنت الأحد الماضي من القبض على الشاب بعد مطاردة مثيرة بأرض المهبط عقب قفزه من الأسوار للسفر إلى إسرائيل بدعوى هروبه من الأوضاع التي تشهدها بلاده حالياً. ونقلت الوكالة عن مصادر، وصفتها بالمسؤولة في المطار، أن أفراد الشرطة فوجئوا أثناء وجودهم قرب المبنى رقم 3 بقيام عامل في شركة مقاولات تنفذ بعض الإنشاءات بالقفز من سور المطار إلى أرض المهبط، وقاموا بمطاردته حتى تم الإمساك به أسفل إحدى الطائرات. وبحسب المصادر، اعترف الشاب بأنه أراد السفر إلى إسرائيل للهروب من حال الانفلات الأمني التي تشهدها بلاده ولهلعه الشديد من نتيجة انتخابات الرئاسة الأخيرة والمعاملة السيئة التي يتوقعها ممن سيحكمون الفترة المقبلة، قبل أن يتم تحرير محضر له وإحالته للنيابة. إن ما فعله هذا الشاب وما سيفعله غيره من أقرانه يحمل رسالة هي الأولى من نوعها في العالم العربي يمكن تلخيصها في بضع كلمات هي «نار إسرائيل ولا جنة الإخوان»، هكذا بكل اختصار ووضوح وبساطة يُقال هذا، على رغم أن الوقت لا يزال باكراً على اليأس التام الذي وصل له صاحب المحاولة الفاشلة، فهناك أمل لا يزال قائماً بفوز المرشح الآخر ذي الخلفية العسكرية «أحمد شفيق» الذي يعتبره كثير من المصريين «نصف البلاء»، استناداً إلى المثل الشعبي المعروف «نص البلاء ولا كله». والحق أقول إن مشكلة المرشح الإخواني لكرسي الرئاسة ليست في كونه من هذا التنظيم، الذي أضحك العالم طوال الأشهر الماضية تحت قبة «مجلس الشعب» بقضاياه ونقاشاته المقبلة من العصور الوسطى فقط، بل هي مشكلة أعمق وأكثر تعقيداً تتمثل في أنه إن أصبح رئيساً فلن يكون له من الأمر شيء، فمن سيحكم مصر فعلياً حينها هو «المرشد الأعلى» الذي بايعه «مرسي» على الإمارة عند انضمامه للتنظيم، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففوز الإخوان بالسلطتين التشريعية والتنفيذية في مصر يعني خروج هذه الدولة من محيطها العربي، وهو خروج يفرضه التحالف التاريخي القائم بين الإخوان ونظام الملالي في طهران. أما على مستوى الداخل المصري، فإن فوز الإخوان بالسلطتين يعني نهاية عصر الطفرة السياحية، ومؤسسات المجتمع المدني، وتداول السلطة والانتخابات، وكل ملامح الديموقراطية المأمولة... ذلك لأن الثوار المصريين الذين استطاعوا إزاحة مبارك عن كرسي الرئاسة بعد ثلاثة عقود من تربعه عليه، سيمضون 80 عاماً على الأقل حتى يتمكنوا من هز كرسي وكيل «المرشد الأعلى»، والأيام حُبلى بالمزيد. [email protected] Hani_AlDhahiry@