في تقرير لها عن استجابة حكومة مصر بعد مبارك للضغوط الشعبية تجاه الملف الاسرائيلي قالت «واشنطن بوست» إن تلك التحركات المصرية تمثل «إشارة خطر» لتل أبيب التي عاشت شهر عسل مصري طوال 3 عقود بعد توقيع معاهدة السلام بين البلدين. هذا يعني أن ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي قد يتحول إلى خريف عربي اسرائيلي من شأنه في أسوأ الأحوال أن يفجّر المنطقة سياسياً وعسكرياً، خصوصاً أن هناك تنظيمات إقليمية تعمل بكل طاقتها لجر مصر «ما بعد مبارك» إلى الصدام مع إسرائيل وهذه التنظيمات كما هو معروف ليست وليدة المرحلة الحالية، و لها أجندة سياسية تاريخية عطلتها معاهدة السادات والقبضة السياسة الأمنية القوية التي تبعتها، وبما أن التعطيل في أدبيات هذه التنظيمات لا يعني الإلغاء وإنما إعادة ترتيب الأوراق فإن أخطر ما يمكن تصوره بالنسبة لإسرائيل هو وصول المدعومين من تلك التنظيمات إلى كرسي الرئاسة في القاهرة. السياسي الإسرائيلي يعلم جيداً أن هناك أوقات مناسبة للتصعيد مع خصومه وأصدقائه على حد سواء، وهناك أوقات أخرى يعد فيها هذا التصعيد ضرباً من الجنون، ولذلك أبدى اعتذاره عن مقتل الجنود المصريين على الحدود من دون تردد مراهناً على ورقة اللعب الأخيرة التي تتمثل في ما ستتمخض عنه انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة.. وهذا يشير صراحة إلى قلق تل أبيب من الوضع المصري بعكس أنظمة أخرى في المنطقة مثل تركيا التي ما زالت منذ أشهر تطالب إسرائيل بالاعتذار عن قتل 9 مدنيين على إحدى سفنها، فيما أعلن مسؤول اسرائيلي الأربعاء الماضي عن إصرار بلاده على عدم الاعتذار لأنقرة. الخريف العربي الإسرائيلي لا يتوقف عند حدود سيناء ففي شمال الجهة الشرقية للدولة اليهودية يمر النظام السوري بمرحلة عصيبة جداً، وهو النظام الذي كان مصدراً لاطمئنان تل أبيب طوال عقود مضت على رغم كل ما يقال عن تهديدات «الممانعة»، وهذا بلا شك يضع السياسي الاسرائيلي في مرحلة تأهب قصوى خصوصاً وأن نظام الأسد مرر رسالة مفزعة لتل أبيب بسحبه لبعض جنوده من الحدود ودفع أعداد من اللاجئين الفلسطينيين لاختراقها من الجانب السوري وتصوير الحادثة ونشرها عبر وسائط الاعلام الجديد، ليؤكد على أن أي أزمة يمر بها تعني انكشاف الحدود الاسرائيلية السورية وتهديد العمق الاسرائيلي بشكل أخطر مما يمكن تصوره. القلق الاسرائيلي من وصول الأغلبية السنية في سورية إلى الحكم وتحديداً التنظيمات ذات الصبغة الإسلامية ليس جديداً، ففي عام 1982 دار حديث في الأوساط السياسية الاسرائيلية عن كيفية حماية حدود الدولة اليهودية من الأخطار التي قد تهددها من الجانب السوري وبرز اقتراح للعمل الاستراتيجي طويل المدى على تقسيم سورية إلى 4 دول اثنتان تسيطر عليهما الطائفة السنية في الوسط والشمال، واثنتان ملاصقتان لإسرائيل تسيطر على إحداهما الطائفة العلوية، والأخرى الطائفة الدرزية وهذا يعتبر ضمان لتل أبيب من المفاجآت التي قد تضعها في مواجهة مباشرة مع تنظيمات اسلامية أخطر بكثير من الجيوش، لكون هذه التنظيمات لا تعتمد أساليب الحرب التقليدية وإنما حروب المدن والعمليات الانتحارية التي يصعب الانتصار عليها بالآلة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة. إن المنطقة ترقص على صفيح ساخن سياسياً اليوم والاحتمالات المبنية على نتائج حالة الربيع العربي كثيرة وفي مقدمتها الخريف العربي الإسرائيلي، الذي قد يتوج بحرب عالمية ثالثة تعيد تشكيل الخرائط والقوى.. والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت. [email protected]