الكارثة التي هزت محافظة جدة السبت الماضي، باحتراق مجمع مدارس براعم الوطن الأهلية، وانتهت بمصرع معلمتين وإصابة أكثر من 46 طالبة ومعلمة، يجب ألاّ يطويها النسيان في أدراج مكاتب اللجان المنبثقة عن لجان في سلسلة لا تنتهي من بيروقراطية بعض الإدارات كالعادة خصوصاً أن أمير منطقة مكةالمكرمة وقف بنفسه في قلب الحدث، ما أعطى رسالة ضمنية لأهالي المحافظة وضحايا الكارثة مفادها أن المسؤول يرى ويسمع وبالتالي سيحاسب كل مقصر تسبب تقصيره في هذه المأساة، ابتداءً من ملاك وإدارة المجمع، وليس انتهاءً بكل من له صلة بتأخر عملية إنقاذ الضحايا، أو تعطيل عملية هروبهن من ألسنة النيران. تحدثت وسائل إعلام مختلفة عن «شبوك» حديدية أعاقت هروب بعض الضحايا، وتحدثت كذلك عن الإهمال واللامبالاة في عملية الإخلاء... صورت «الحياة» مشاهد من قلب الحدث، وأوردت روايات على ألسنة الضحايا وأقاربهن... كلها تشير إلى عدم تكامل اشتراطات السلامة في المجمع المنكوب. الطالبة طيف سعيد القحطاني ذات ال12 ربيعاً ألقت بنفسها من الطابق الثالث للنجاة من ألسنة اللهب وأصيبت في الرأس، لكن العناية الإلهية أنقذتها من موت محقق لتؤكد أنها وزميلاتها تجمعن في خوف وهلع بعد انتشار الدخان وارتفاع ألسنة اللهب، ولم يكن أمامها سوى القفز من النافذة بعد كسر الزجاج، فكانت الأولى من زميلاتها التي بادرت بهذا التصرف، ولم تشعر بعدها بأي شيء إلا وهي في المستشفى... هذه الرواية تفتح باب الأسئلة على مصراعيه... هل كانت طيف ستضطر للقفز من الدور الثالث لو أن هناك مخارج طوارئ وسلالم خارجية للمبنى كما هو مفروض؟ وهل كن الطالبات سيجبرن على التجمع في مشهد مأسوي لمراقبة ألسنة اللهب وهي تمتد لالتهام أجسادهن الصغيرة لو أن مباني المجمع مزودة بشبكات مياه إطفاء للطوارئ كالتي نجدها في المباني الحديثة في كل أنحاء العالم التي تعمل آلياً بمجرد ارتفاع درجة حرارة المكان، أو تشغيل نظام الإنذار؟! هناك بلا شك قصور وقصور كبير جداً في اشتراطات السلامة، أكدته هذه المأساة، وهو قصور يجب أن تتحمل مسؤوليته إدارة المجمع وملاكه قبل الجهات الأخرى التي رخصته ووضعت أرواح أكثر من 700 طالبة تحت رحمة المصادفات والمفاجآت... بمعنى آخر يجب أن تحاكم هذه المدارس وتُجبر على دفع تعويضات مالية كبيرة ومجزية لجميع الطالبات والمعلمات اللاتي شهدن الكارثة... السليمات منهن قبل المصابات، فالرعب الذي عشنه لا يمكن أن تمحوه أعوام طويلة من ذاكرتهن، هذا بجانب الآثار النفسية التي خلفتها الكارثة، والتي من الطبيعي أن تحتاج للعلاج لا تطييب الخواطر بعبارات مثل «حمداًً لله على السلامة» وأخواتها. من جهة أخرى يجب أن يتم فرض غرامات مالية باهظة على هذه المدارس حتى وإن أدى ذلك إلى إفلاسها وإغلاقها وسجن ملاكها... فهذه الغرامات لا تساوي شيئاً أمام التكاليف المترتبة على أجهزة الدولة جراء عمليات الإنقاذ وما صاحبها. أيضاً لابد من أن يُعاد النظر في اشتراطات ترخيص المدارس الأهلية، وأن تخضع لإجراءات دقيقة وأمينة ومرتبطة بأكثر من جهة، منها الجهات الحالية كوزارة التربية والدفاع المدني، وجهات أخرى كوزارة الصحة والهلال الأحمر وإمارة المنطقة، فأرواح براعم هذا الوطن ليست لعبة أو عرضة للمقامرة بها على يد موظف مهمل، أو آخر فاسد، أو مستثمر جشع متحايل على الأنظمة في سبيل الحصول على الأرباح بأي طريقة كانت. إن ما حدث في مجمع براعم الوطن في جدة قد يحدث غداً في الرياض والخبر وجيزان وتبوك، لأن معظم المدارس الأهلية في المملكة وبكل بساطة ووضوح لديها خلل كبير في اشتراطات السلامة، سواء من ناحية تصميم المباني، أو الآليات التي من المفترض تطبيقها في حال حدوث كارثة مشابهة. [email protected] twitter | @Hani_AlDhahiry