لي صديق مصري من أكثر خلق الله قدرة على تحويل المآسي إلى طرائف، قضى ربع عمره في بلاده، وثلاثة أرباعه عاملاً في العراق، ثم ليبيا والخليج، وهو بجانب حسه العالي في السخرية رجل حكيم وسياسي محنك، لا يتورع عن رصد أخطاء الأنظمة العربية وإعلان قدرته بشكل مستمر على وضع حلول سحرية لها، مؤكداً على أن حلوله من شأنها أن تنهي أي مشكلة تواجه أي نظام عربي أو عالمي. وعندما حدث الهرج والمرج في مطار الملك عبدالعزيز في جدة أخيراً، على خلفية الفوضى التي أثارها بعض المعتمرين المصريين، واعتدوا خلالها على موظفي المطار من السعوديين بشكل في غاية الهمجية، هاتفت صديقي الساخر لأطمئن عليه، وأتأكد بأنه ليس من ضمن المعتدين، كونه أصبح شرساً في الأشهر القليلة الماضية، أو «انسعر»، بحسب وصفه، فنفى ذلك معلقاً بسخريته المعتادة «أصل هُمّا ما عزمونيش» قبل أن يغرقني بالحلول التي كان من المفترض أن تنتهجها سلطات المطار! صديقي الساخر والسياسي المحنك وهو «معلم رياضيات» بالمناسبة، قال إنه استغرب من أن الخطوط الجوية السعودية، وهيئة الطيران المدني، وكذلك أمن المطار ارتكبوا جميعاً الخطأ نفسه الذي ارتكبه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك إبان المظاهرات المليونية التي شهدها ميدان التحرير، عندها قاطعته مندهشاً ونافياً أن يكون أي من مثيري الشغب في المطار تعرض لاعتداء أو إهانة من الجهات التي أشار إليها، فهدأ من روعي مؤكداً أنه لم يقصد ذلك وإنما قصد أمراً آخر تماماً، فالأخطاء الكبرى برأيه تقع في طريقة اختيار الحلول لمعالجة حالات الفوضى، موضحاً أن مبارك كان بإمكانه أن يبقى على كرسيه مطمئناً ويجعل ملايين المعتصمين في التحرير يوم 25 كانون الثاني (يناير) يذهبون سعداء لقضاء السهرات السعيدة في المنتزهات والمطاعم لو قرر معالجة المشكلة بمنح كل معتصم 100 جنيه مصري وإلزامه بتوقيع تعهد بعدم العودة للاعتصام والمظاهرات، وأقسم صاحبي لو أن ذلك حدث لما بقي في التحرير حينها سوى العشرات من الناشطين الذين لا شغل لهم سوى الاعتصام، مضيفاً أن هؤلاء كان سيتملكهم اليأس بعد مرور ساعات ويتجه كل منهم لقسم الشرطة مطالباً ب «100 جنيه» كسابقيه وتنتهي «الحدوتة». وزاد صاحب الحلول العجيبة: هذا الحل نفسه لو اتخذ لإنهاء الفوضى التي حدثت في مطار جدة مع اشتراط أن يبقى كل شخص من مثيريها في ساحات المطار من دون أن يفتح شفتيه لمدة 72 ساعة لنعم المطار بأهدأ الساعات في تاريخه، وما أن انتهى صاحبي من طرح حله غير المسبوق حتى اتبعت سنة طيب الذكر سفيرنا السابق في مصر مردداً بسخرية: «ما شاء الله عليك عندك حلووول»، لكنني عندما عقدت اجتماعاً خاصاً مع نفسي في وقت لاحق متأملاً حال بعض الدول المجاورة، التي اشترى السياسي فيها دماغه بإغداق المال على الناس للدرجة التي وصل معها راتب صاحب أدنى رتبة في السلم العسكري إلى ما يعادل راتب وكيل وزارة في دول الجيران، علمت أن صديقي المصري الساخر رجل في غاية الحكمة و«عنده حلووول» فعلاً، خصوصاً أنه كان يحسبها بالأرقام وهو يحدثني عن الحال المصرية، معتبراً أن ما كان سيصرفه مبارك لمعالجة الأزمة لن يتجاوز بليون جنيه بأي حال من الأحوال، على افتراض أن عدد المعتصمين في أعتى الحالات لم يتجاوز عشرة ملايين معتصم. أخيراً... أتمنى ألا يفهم أحد من طرحي هذا أنني أسخر من الثورة المصرية قبل أن يجرب مع مشعليها عملياً حل صاحبي الحكيم ويخبرني بالنتيجة. [email protected] twitter | @hani_aldhahiry