منحت «مسيرة الكرامة» في الدارالبيضاء نفساً جديداً ل «حركة 20 فبراير» الاحتجاجية التي اختارت ترديد شعارات سياسية راديكالية، وحرصت أيضاً على تنظيم صفوفها بمعزل عن نشطاء المركزيات النقابية التي دعت إلى المسيرة الاحتجاجية ضد الحكومة الحالية التي يقودها حزب «العدالة والتنمية». وأفادت المصادر أنها المرة الأولى التي تنضم فيها «حركة 20 فبراير» الشبابية إلى أحزاب ونقابات تعارض حكومة عبدالإله بن كيران بعدما كانت في خطواتها الاحتجاجية الأولى استندت إلى شباب «جماعة العدل والإحسان» التي يتزعمها الشيخ عبدالسلام ياسين. هذا التحول في تجربة الحركة الشبابية المغربية عزته المصادر إلى إقدام «جماعة العدل والإحسان» على فك ارتباطها بالحركة التي وضعت، في المقابل، مسافة بينها وبين احتجاجات نشطاء ذوي ميول يسارية وليبرالية. وفيما لم يحسم التيار الإسلامي اختيار الطريقة التي سينهجها في مواجهته المفتوحة مع السلطات، يرى مراقبون أنه يبدو أن «حركة 20 فبراير» ترغب في الإفادة من أجواء التوتر السائدة بين المعارضة والحكومة لتكريس حضورها. وعلى رغم أن أعداداً كبيرة من نشطائها تعرضوا للاعتقال بتهم مختلفة، فإن مسيرة الأحد في الدارالبيضاء أعادت الحركة إلى الواجهة. لكن إصرارها على رفع شعارات راديكالية ضد النظام قد يشكّل إحراجاً لفاعليات حزبية ونقابية كانت إلى وقت قريب أكثر تحفظاً في دعم الحركة الاحتجاجية التي انطلقت العام الماضي بتزامن وانتفاضات «الربيع العربي». وشكّل الموقف من الدستور الجديد مفصلاً في تباين الاختيارات. فقد ذهبت غالبية الفاعليات الحزبية في الموالاة والمعارضة في اتجاه دعم الإصلاحات الدستورية، فيما التزمت «حركة 20 فبراير» موقفاً مناهضاً لوضع الخطوط العريضة للوثيقة الدستورية. وغاب نشطاء الحركة عن اجتماعات استشارية شملت مئات التنظيمات ضمن ما عرف بالحوار الوطني حول الإصلاحات الدستورية التي أقرها الشعب المغربي في الأول من تموز (يوليو) 2011. إلى ذلك، يرى مراقبون أن المبادرة التي رعاها حزب «الاتحاد الاشتراكي» المعارض لجهة معاودة بناء الثقة والمركزية النقابية «الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل» تعكس تطوراً لافتاً في اختياره الشارع لممارسة أشكال جديدة من الضغوط على الحكومة التي يقودها «العدالة والتنمية» الإسلامي. وإذا كان انفصال الاتحاد الاشتراكي عن حليفه التقليدي حزب الاستقلال الذي مال في اتجاه دعم الائتلاف الحكومي الحالي، حقق أماني بعض الأطراف التي لم تكن تنظر بارتياح إلى استمرار ذلك التحالف بين الحزبين منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، فإن الآفاق التي فتحها ذلك الانفصال أمام قوى المعارضة لا تنحو في الاتجاه الذي يرتضيه الجميع، أقله أن الصراع مع حكومة بن كيران قد يحيد عن الإطار المحدد له، أي أن يبقى في المجال السياسي بدل أن ينتقل إلى الشارع. ويقول أحد السياسيين إن بوادر «حركة تسخين» بدأت قبل أوانها، في إشارة إلى الاستحقاقات المقبلة في انتخابات البلديات والجهات ومجلس المستشارين. ويبدو أن حسابات أكثر من حزب سياسي تلتقي عند هاجس الحد من نفوذ التيار الإسلامي، ممثلاً في «العدالة والتنمية»، فيما أن استحقاقات داخلية على صعيد المؤتمرات الوطنية للأحزاب في الشهور المقبلة يمكن أنها تساهم بدورها في تأجيج الصراع. من جهته، أكد رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران التزامه مواصلة الإصلاحات الشاملة. وقال في اجتماع حزبي إن مسار الإصلاح انطلق «ولن يتوقف»، وعاود طرح تصورات لجهة الربط بين الإصلاح والاستقرار، موضحاً أن تجربة حكومته «ستنجح تدريجاً» عبر ترسيخ مفاهيم جديدة لدى الرأي العام. وأضاف: «ما نصبو إليه أن يؤدي كل جهاز أو قطاع دوره المنوط به». وأشار، بهذا الصدد، إلى المسؤوليات المتزايدة في قطاعات التعليم والقضاء والصحة. وركز اجتماع حزبي حضره وزراء «العدالة والتنمية» على تقويم أداء مختلف القطاعات، فيما انتقد رئيس الحكومة أدوار بعض المدراء والموظفين رفيعي المستوى، من دون أن يذكرهم بالاسم. ونُقل عنه القول: «عندما أرى بعض الأشخاص مدراء بعض المؤسسات أتساءل: هل مكانهم في هذه المواقع أم في السجن؟». وفُهم من كلامه أنه يعرض إلى تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي كشفت عن المزيد من الاختلالات في تدبير المرافق العامة. في سياق متصل، أوضح الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد الصبار أن هذه المؤسسة تعكف على درس مشروع القانون المتعلق بالضمانات الممنوحة للعسكريين. وقال إنه سيوجه مذكرة بخلاصات تصوراته إلى الكتل النيابية وذوي الاختصاص. وجدّد التزامه الأبعاد القانونية ذات الصلة باحترام أوضاع حقوق الإنسان وعدم الإفلات من العقاب وترسيخ الحوكمة الرشيدة في إدارة الأمن. من جهته، دعا المركز المغربي لحقوق الإنسان إلى إلغاء مفهوم الحصانة الممنوحة للعسكريين، معتبراً أن ذلك ينطوي على مخاطر.