زادت الهوة بين جماعة «العدل والإحسان»، التي يتزعمها الشيخ عبدالسلام ياسين، وحزب «العدالة والتنمية» بزعامة رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران وذراعه التنظيمي حركة «التوحيد والإصلاح». غير أن الجدال بين الجانبين اتخذ طابعاً دينياً وسياسياً شمل استقراء المواقف حيال التحولات الجارية في المغرب والعالم العربي. وتبادل الجانبان رسائل تتضمن «العتاب السياسي». وبعدما علقت «العدل والإحسان» مشاركتها في التظاهرات الاحتجاجية لحركة «20 فبراير» الشبابية، إثر خلافات دارت حول سقف المطالب وهامش التحركات، وجهت رسالة إلى «التوحيد والإصلاح» و»العدالة والتنمية»، اعتبرها المراقبون رداً على دعوة كان أطلقها بن كيران وحض من خلالها «العدل والإحسان» على الاشتراك في عملية التغيير الديموقراطي من الداخل. واستعرضت الرسالة تباين المنطلقات والنتائج في سياق تفاعل التيارات الإسلامية على مدى عقود عدة وأوضحت أن بعض قيادي «التوحيد والإصلاح» و»العدالة والتنمية» اعتبروا ان الوصول والنجاح اجتهاد يجب على «العدل والإحسان» أن تؤمن به وتعمل له من داخل المؤسسات. وبعد الإشارة إلى التطورات في كل من تونس ومصر وليبيا، صنفت الرسالة الأحداث المتلاحقة في المغرب، وتحديداً الاتجاه لإقرار دستور جديد وتنظيم انتخابات مبكرة بأنها كانت بمثابة «التفاف وزوغان». وكانت النتيجة وفق مضمون الرسالة «الدخول في اللعبة القديمة - الجديدة، أي لعبة المراجعات الدستورية لنصل إلى دستور غامض جداً ومفتوح على كل التأويلات». وأكدت «العدل والإحسان» أن رؤيتنا تختلف جذرياً، وفي كل الطروحات التي ذهبت في منحى الدفاع عن الدستور الجديد»، معتبرة أن ذلك كان «التفافاً على المطالب الحقيقية للشعب». وخلصت تبعاً لذلك إلى أن ما ترتب على الاستفتاء الدستوري، أي الانتخابات والمشاركة السياسية» هي في أحسن الأحوال مضيعة للوقت وخدمة للاستبداد». لكنها أحجمت عن أن تكون تمنت الفشل للتجربة الجديدة، مؤكدة «معاذ الله أن نتمنى لكم، أحبتنا، الفشل أو تحدثنا لأنفسنا بذلك». واستدركت الرسالة «الذي لا نتمناه هو أن يستمر الاستبداد في الاستخفاف بالناس». وردت «التوحيد والإصلاح»، التي يتزعمها محمد الحمداوي، بأن خلافاتها والعدل والإحسان «ليست خلافات في تقويم مرحلة سياسية، بل بين منهجين، كانا قائمين قبل هذه المرحلة»، في إشارة إلى التزامها خط المشاركة والعمل السياسي من داخل المؤسسات. وقالت: «إذ نعتقد أنكم واعون ومدركون لما بين المنهجين المعتمدين لدى كل منا من تباين واختلاف، فإننا في الوقت ذاته نعتبر أن ما يجمع بيننا وبينكم وبين كل العاملين لإقامة الدين وإصلاح المجتمع يحتل مساحة واسعة، يحسن بالجميع الاجتهاد لتبنيها والسعي لتوحيدها». ورأت المصادر في رد الحركة محاولة للإبقاء على بعض مظاهر الحوار، لكن في طرح إشكالات دينية وليس سياسية من منطلق أن الحركة اختارت طريقها. ويسود اعتقاد بأن «العدل والإحسان» في طريقها لأن تدخل في مواجهة مفتوحة مع حكومة عبدالإله بن كيران، على رغم الآمال التي انتعشت في إمكان الإفادة من وجود تيار إسلامي معتدل يقود حكومة ما بعد إقرار الدستور الجديد. ومن المستبعد وفق مصادر «العدالة والتنمية» الانسياق وراء معارك من شأنها أن تُشغل الحكومة عن الوفاء بالتزامات عملية إزاء تململ فئات اجتماعية واسعة. وسبق لعبدالإله بن كيران أن التزم فتح حوار مع نشطاء حركة «20 فبراير» وتنظيمات الطلبة حملة الشهادات الجامعية، ومندوبين في قطاعات اجتماعية يعطصمون أمام مقرات وزارية بهدف البحث في حلول غير أن إرجاء عرض برنامج حكومته امام البرلمان يحول دون ذلك الحوار الذي سيشمل المركزيات النقابية كذلك. وفي أول رد فعل صدر عن تنظيم نسوي، تابع لحزب «الاستقلال»، الذي يشارك في الائتلاف الحكومي، انتقدت «منظمة المرأة الاستقلالية» غياب التمثيل الوازن للنساء في حكومة بن كيران. وجاء في بيان مكتبها التنفيذي أنه يعبر عن «صدمته الكبرى إزاء الحضور الباهت للمرأة». معتبراً ان مشاركة امرأة وحيدة في الفريق الحكومي «صفعة لكل نساء المغرب اللواتي انخرطن بشكل فعال وإيجابي في مسلسل الإصلاحات الدستورية». واعتبر هذا التغييب «تخلفاً عن موعد تاريخي كان يقتضي الحرص على احترام أحد أهم أهداف الدستور الجديد». وجاء الموقف في غضون تزايد ردود أفعال غاضبة وسط حزب رئيس الحكومة السابق عباس الفاسي إزاء الطريقة التي أدار بها مفاوضات تشكيل الحكومة في حين فسرت أوساط في الحزب الحافز بأنه التزام الفاسي دعم أسماء ووجوه معينة و»إعداد الأجواء لخلافته في قيادة الحزب» في انتظار المؤتمر المقبل.