بقلوبهن المتسامحة وإرادتهن التي لا تنكسر وعزمهن الذي لا يلين، تم تنصيب نساء وفتيات مصر خلال اليومين الماضيين على عرش الناخبين، إذ أثبتن بحجة الطابور وببرهان تحدي حرارة الجو أنهن صاحبات الصوت الأعلى في تحديد هوية الرئيس المقبل. المشهد الانتخابي اللطيف الظريف الجميل كان السمة الظاهرة في انتخابات الرئاسة. النقاب الأسود الممتزج بأصفر وأحمر وأزرق والأزياء الصيفية المتداخلة برمادية زي الراهبات المكلل بوقار البني والبيج والأزرق شكلت لوحة موزاييك رائعة أمام اللجان الانتخابية في شكل جعل المراقبين والمحللين والمارة يتوجون النساء على عرش الانتخابات. المهم أنه تتويج غير قابل للتزوير أو المزايدة أو النفاق، لاسيما أنه جاء عقب سلسلة من الجهود العاتية التي بذلها الجميع طيلة الأشهر الماضية لإقصاء المرأة وسلبها حقوقها والانتقاص من كرامتها والتقليل من شأنها. فرغم جهود برلمانية لإعادة عمليات الختان المجرمة، وتخفيض سن الزواج للسماح بزواج الطفلة الأنثى، وإلغاء قانون الخلع، وإخضاع الفتيات والنساء المحتجزات في اعتصامات وتظاهرات لكشوف عذرية، ناهيك عن إقصاء النساء من التشكيلات الوزارية المتعاقبة، ولجان وضع الدستور المتعثرة وشيوع فتاوى الحجاب والنقاب وضرورة عودة المرأة إلى مكانها الطبيعي في البيت، خرجت نساء مصر وكأن كل تلك المحاولات الإقصائية زوابع في فناجين اعتدنها. فنجان الشاي أو القهوة لزوم «جلسة السمر الحلوة» كان العنصر الوحيد المفتقد في أحاديث الناخبات في الطوابير. تحولت الغالبية العظمى من اللجان المزدحمة إلى ساحات نقاش تنافس البرامج الحوارية التلفزيونية في سخونتها وتضاهي تحليلات خبراء السياسة وأساتذة الاجتماع في حنكتها. بين منددة بما فعله «الإخوان» في مجلس الشعب، ومؤيدة لمشروع «النهضة» الذي يرفعه مرشحهم محمد مرسي، ومؤمنة بصدق حمدين صباحي، وداعمة لعبدالمنعم أبو الفتوح، وخاشية من الجهر بحبها لأحمد شفيق، ومطالبة بعمرو موسى لأنه «بتاع علاقات»، اتسمت ساعات الانتظار بثراء نقاشي بالغ وعكست وعياً سياسياً غير مسبوق. وكان سبق الإبلاغ عن الانتهاكات والخروقات الانتخابية من نصيب «حرائر» مصر كذلك. ربة منزل بسيطة قدمت بلاغاً إلى الشرطة ضد شخص حاول تقديم رشوة لها لتنتخب مرسي. سيدة أخرى تقدمت ببلاغ حين فوجئت بأن هناك من صوت باسمها. مجموعة من النساء والشابات المتجمهرات أمام إحدى اللجان المزدحمة لم يتقبلن نقض الوعد المقدم لهن من الضابط المسؤول عن تأمين اللجنة بإدخالهن للإدلاء بأصواتهن، فما كان منهن إلا أن اتفقن على الهتاف والطرق على بوابة اللجنة إلى أن تحقق المراد. تحقق المراد الأكبر ووصول الرئيس الجديد إلى سدة الحكم كان المحرك الرئيس لنساء مصر اللاتي اقتسمن مع الرجال معاناة سنوات طويلة من الظلم والفساد، واقتسمن مع الرجال أيضاً دور البطولة في اندلاع شرارة «ثورة 25 يناير». ورغم هذا، فإن مشاركتهن الكثيفة على مدى اليومين الماضين تلونت بلون أنثوي. أحاديث عدة عن «وسامة» أبو الفتوح و «شباب» خالد علي و «ابتسامة» حمدين و «ثقة» موسى و «أناقة» شفيق و «تقوى» مرسي، تخللت نقاشات العقل والمنطق ومصلحة الوطن المستقاة في أغلبها من جلسات المراجعة النهائية من أثير البرامج الحوارية الليلية. ولم تخل إجراءات الانتخاب كذلك من الظلال النسوية، فها هي سيدة تحاول إقناع الموظف المسؤول بأنها عقدت العزم على عمل «حلة محشي» ولا تريد أن يختلط الحشو بالحبر الفسفوري، وأخرى تقف أمام ورقة الاقتراع ثم تظهر عليها علامات التوتر والاضطراب وتطلب مهلة إضافية لتتصل بزوجها ليذكرها بالاختيار: «قلنا إيه آخر حاجة؟ حمدين ولا أبو الفتوح؟». إحدى السيدات سألت صديقتها بالإنكليزية حتى لا تفهم بقية الناخبات: «هل تعتقدي أننا سنعيش لنر يوماً نقول فيه: ليكن الفوز حليفاً للرجل أو المرأة الأفضل، بدل احتكار الرجال للفوز؟» فردت صديقتها: «لا أعتقد».