يشتهر بعض الصحافيين بطريقة طريفة في التعامل مع الناس، وددت لو يتاح لي الوقت كي أقصها في مقال، لكن طرافة الزملاء في التلفزيون السعودي فاقت كل وصف، فقد اشتهروا معي بأنهم يستخدمون الرسائل النصية لدعوتي للمشاركة في برامجهم، ربما بسبب إقامتي في دبي، فمنذ عام تقريباً وافقت على المشاركة عبر الهاتف في برنامج دعيت له برسالة نصية، لكنني وافقت لأن زميلاً قديراً لي هو حمود بو طالب توسط لهم عندي، فظننت أن هذه الواسطة تمهيد لوصول اتصال منهم، لكنهم اعتمدوا على كلمتي التي منحتها للزميل «الواسطة»، فبعثوا لي رسالة تحدد وقت التسجيل، ثم أرسلوا لي رسالة نصية أخرى تعتذر وتقول إنهم لن يسجلوا معي، لأن لديهم عطلاً فنياً. اتصلت بالمذيع لأعاتبه على هذه الطريقة الفريدة في التعامل مع الناس، فوجدته غاضباً وبائساً بسبب ما حدث لبرنامجه، فحمدت الله على أن مصيبتي أخف من مصيبته، وأشفقت عليه وقلت «يكفيه ما جاه». حين زرت الرياض منذ شهرين لأشارك في معرض الكتاب، اتصل بي منسق أحد البرامج الثقافية - ربما اتصلوا بي هذه المرة لأنني في الرياض - وأصر أن يسجل معي حلقة تلفزيونية بعد المحاضرة، وعلى رغم أن المحاضرة لا تنتهي إلا في العاشرة والنصف، وسيكون ذلك مرهقاً لي لأنني سأتأخر عن موعد نومي، إلا أن المنسق أقنعني بأنني قامة ثقافية مهمة، وأن مشاركتي ستؤثر في حياة الناس، فضعفت أمام هذا المديح، وخجلت أن أرده بل شعرت بمسؤوليتي لإنقاذ هذا العالم الذي يحتاجني، لكنه بعد ساعات اتصل بي يقول إن ضيفاً عربياً حل محلي، وسيأخذونني في يوم ثان. وعلى رغم أنهم «زحلقوا قامتي الثقافية»، إلا أنني غفرت لهم، لأنني على الأقل سأذهب لأنام. الثالثة كانت ثابتة كما يقولون، فبعد حصولي على جائزة الصحافة العربية، اتصل بي هاتف من القاهرة وعندما أجبته قال لي إن التلفزيون السعودي يريد استضافتي لهذا اليوم، بمناسبة حصولي على الجائزة، فسألته إن كان التلفزيون السعودي فتح فرعاً في مصر، فقال لي: لا إنه مكتب تنفيذي للاتصالات، وعلى رغم علمي بأن المكاتب التنفيذية المهاجرة هي سمة الشركات التجارية، التي تسعى للتوفير المادي، ونقل فرص العمل لدول أرخص، إلا أنني فهمت لماذا لا يقوم المذيعون والمنسقون بالاتصال بي مباشرة، لأن الهاتف في مصر. قبلت الدعوة طبعاً، فهؤلاء أهلي وحبايبي ويريدون أن يحتفوا بي. فقرّرت أن أفتح معهم صفحة جديدة، بل واعتبرتها بادرة طيبة من التلفزيون السعودي. قالوا لي إن الاتصال سيكون في التاسعة والنصف، تأخر الوقت 25 دقيقة حتى إنني شككت في ساعتي، لكن الاتصال أخيراً جاء، وسمعت السؤال الأول من المذيع الذي هنأني بالجائزة، وسألني عن رأيي في منتدى الإعلام العربي، وحين هممت بالإجابة انقطع الخط، «معلش أهلنا برضه»، عاد الاتصال بعد ثانية لكنني سمعت المذيع يقول نشكر لمن أسهم في نجاح الحلقة. وطبعاً لا أستطيع أن أزعم أنني ممن أسهم في نجاح الحلقة، لا بد أنه كان يشكر آخرين. أنا شخصياً تبت من قبول دعوات التلفزيون السعودي، لكن التلفزيون السعودي لا يتوب، فاليوم وصلتني رسالة نصية أخرى من برنامج ثقافي يدعونني للمشاركة، فلم أرد طبعاً، لا يلدغ مؤمن من جحر ثلاث مرات. لكن رسالة بعدها وصلتني تقول: لماذا لا أرد؟ تأكدت أن التلفزيون السعودي لا يملك هاتفاً، وأن الهاتف الوحيد الذي يعمل في القاهرة. أكيد السبب طبعاً التكاليف، آمل في المرة المقبلة ألا يكتبوا لي الرجاء الاتصال المرسل التلفزيون السعودي، مع بالغ المودة.