حين أطل هذا الشهر الكريم بدأت أغلب المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية التلفزيونية بتغيير خارطة برامجها اليومية، فشاهدنا ذلك الزخم الكبير من المسلسلات و كثير من البرامج الدينية، ربما التحدي الأكبر واجهته محطات الإف أم الإذاعية، وبالذات التي تعتم على المادة الغنائية ، حيث تحولت من الأغاني العاطفية إلى الابتهالات، والأناشيد الدينية، وبدأ البحث عن برامج بديلة تملأ الفراغ الكبير، فكانت تلك البرامج الحوارية التي تناقش مشاكل المجتمع، يديرها بعض المتطوعين، و الطامة الكبرى هي تسلية الصيام بمسابقات ساذجة، لا تثري ثقافة المستمع والمشارك، شيء أشبه "باليانصيب"، المستمع يدفع من خلال اتصاله أو بعث رسالة نصية، أملاً بالحصول على مبلغ معين من المال، المشكلة لدي ليست هذه المسابقات، فهي تبث في بعض المحطات الإذاعية والفضائيات على مدار العام، ولكن الثقافة الضحلة للمشاركين من المشاهدين والمستمعين، الذين لا يطالب بعضهم بمعرفة الإجابة الصحيحة معلوماتياً، بل الإجابة التي توصل للحصول على الجائزة، لذا يكتفي المذيع أو المذيعة أن يقول اختر الإجابة الأولى أو الثانية أو الثالثة، ليختار المشارك بالمسابقة إحداها تخميناً، وقد تكون إجابته صحيحة، وقد يحصل على جائزة كبيرة، ولكن عندما يسأله أي شخص ماذا كان السؤال وماهي الإجابة، يكون الرد لا أذكر، المهم أنني عرفت الخيار الصحيح، هذه المسابقات كشفت عن تدني بالثقافة العامة لدى فئة كبيرة من المجتمع، على الرغم من أن الحصول على المعلومة الآن سهل جداً، مجرد الدخول على موقع قوقل من خلال الهاتف المحمول أو الحاسب الآلي، ومن ثم معرفة معلومات مفيدة. أنا لن أتحدث عن شربة البرامج الإذاعية والتلفزيونية، التي قد تتسبب بالمغص والتلبك المعوي، و لن أتحدث عن المسابقات ومقدميها، والمعلومات التي تقدم بها، ولكن ما يهمني هو لماذا هذا التدني في مستوى الثقافة لدى من يتواصل مع الإذاعة والتلفزيون، هل سأل أحدهم نفسه لماذا لم أعرف الإجابة وكيف يكون لي القدرة على معرفتها، هل التعليم بصورة عامة لم يرسخ أصول المعرفة، وهل اختبار القدرات فضح هذا الأمر، وكيف تتم تنمية اكتساب المعرفة لدى الأجيال الجديدة،لاسيما وأن علاقتهم بالتقنية جيدة، للأسف هنالك من أولئك المتسابقين من لم يعرف عواصم لدول عربية وإسلامية، وهنالك من لا يعرف عدد سور القرآن الكريم، وهنالك أمثلة كثيرة مؤلمة تأتي من أناس لا يهمهم الثقافة بقدر أن يختاروا واحداً من ثلاثة ، ويقودهم هذا الاختيار إلى جائزة لايستحقونها.