يعرّف القانون السوري عقد الزواج «بعقد نكاح بين رجل وامرأة تحلّ له شرعاً»، من دون أن يتمسك بالأهلية القانونية اللازمة لإتمامه، وبينما يلتزم القانون سن الثامنة عشرة سناً أهلية قانونية لإتمام أي عقد مدني، يتساهل في الأهلية اللازمة لإتمام عقد الزواج، وهو عقد على قدر كبير من الأهمية والمصيرية، ليضع حجر الأساس لما يسمى الزواج المبكر. وفيما تتجه مذاهب عدّة إلى تعريف الزواج المبكر بأنه زواج الصبي أو الفتاة قبل البلوغ، وهو المؤشر الأساسي على النضج، تعرّفه الدراسات بأنه زواج بين شخصين أحدهما أو كلاهما غير مكتمل النضوج من الناحية الجنسية والفكرية والعقلية والنفسية والعاطفية، ويحدّده مختصون أنه زواج يعقد لمن هم تحت الثامنة عشرة، سن الأهلية القانونية بحسب اتفاقية حقوق الطفل، ما يجعل أي زواج تحت هذه السن زواجَ أطفال، يسبب الكثير من الأضرار الجسدية والنفسية للطفل والمجتمع أيضاً، وهي أضرار ليس من السهل تجاوزها أو معالجتها. ويسمح قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 للعام 1953 بالزواج المبكر، وإن بشكل غير صريح، إذ يشترط القانون العقل والبلوغ لأهلية الزواج في المادة 15 منه. ولكنه يقدّر العقل والبلوغ في المادة 16 للفتى بتمام الثامنة عشرة، وللفتاة بتمام السابعة عشرة، وفوق ذلك لا يتخذ القانون موقفاً جدياً من الالتزام بهذا السن، وتسمح المادة 18 بزواج القاصر إذا ما قدّر القاضي اكتمال نموهما ووجود وليها. وتنص على انه «إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة، أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج، يأذن لهما القاضي إذا تبين له صدق دعواهما وتحمُّل جسميهما، ويشترط موافقة الولي، وهو الأب أو الجد». ثمن مضاعف ويشهد الزواج المبكر تراجعاً في بعض المدن السورية المعروفة بارتفاع نسبة التعليم فيها، اذ تترك للشاب والفتاة الفرصة لإنهاء دراستهما الجامعية والالتحاق بالعمل. إلاّ أن هذه الظاهرة تبقى منتشرة في كثير من المناطق والقرى المتخلفة تعليمياً، حيث تكبر نسبة الفقر، والخضوع للعادات والتقاليد، إلى نقص الوعي بسلبيات الزواج المبكر ومساوئه، ومساهمته في ارتفاع معدل النمو السكاني ومعدل الخصوبة، وأيضاً ارتفاع نسبة الوفيات بين الأمهات والأطفال بسبب الحمل والإنجاب في سن مبكرة. وبلا شك، تتفاقم مثل هذه المشكلات في الأزمات والحروب وحالات الطوارئ، وتطغى الأحداث المؤلمة على المشهد، وينصرف الجميع أمام الاضطرابات الى مواجهة الخطر على الحياة، وهنا يدفع الأطفال ضحايا الزواج المبكر الثمن مضاعفاً، إذ يزيد هذا الزواج من وضعهم هشاشة مثلما يربكهم ويكشف قدراتهم الهزيلة على مواجهة الظروف الصعبة. وتلجأ الكثير من العائلات في أوقات الأزمات للزواج المبكر لحماية أبنائها وبناتها من الظروف الصعبة ومحاولة مواجهة التشرد والفقر، فتقرر أسرة تزويج ابنها بقريبته الصغيرة التي فقدت عائلتها بسبب تصاعد الصراعات وأشكال العنف، ل «الستر» على الصغيرة وجعل الاهتمام بها «حلالاً»، أو تلجأ اسر أخرى إلى الزواج المبكر بين الأقارب كطريقة للعيش كعائلة واحدة بمصروف أقل في الظروف الاقتصادية الخانقة.