تحوّل مصدر فخر أم حمادة النازحة من قرية في صعيد مصر إلى العاصمة، شبهة تنجزها في الخفاء خوفاً من المساءلة القانونية. فعلى رغم إنجازاتها الخمسة السابقة، التي تكللت بنجاح أسفر عن 20 طفلاً وطفلة، يقف الإنجاز السادس متعثراً أمام ما تنامى إلى مسامعها عبر الإعلام. «يقولون إنني لو زوجت بدرية الآن، فقد أجد نفسي في السجن». أم حمادة زوجت «من دون فخر» خمساً من بناتها الست في أعمار تتراوح بين 13 و16 سنة، وهو ما كان من دواعي فخرها بين أهل القرية. فهي أرملة، أو في حكم الأرملة، بعدما اختفى زوجها قبل سنوات على اثر نزوحه إلى الإسكندرية، بحثاً عن لقمة العيش. وتتحدث أم حمادة بفخر شديد عن زواج بناتها الذي تم بشق الأنفس، «فزواج البنت سترة»، إضافة لكونه حماية للشرف وإعلاء لمكانة الأسرة في المجتمعات الريفية، حيث الزواج المبكر، لا سيما للإناث، يعكس قيمة «الطفلة» التي يطلبها العرسان للزواج. وتتسلل ملامح الورع والتقوى فجأة على وجه أم حمادة قبل أن تضيف إلى قائمة مميزات الزواج المبكر لبناتها صفة الالتزام بشرع ربنا. وتتساءل: «يعني نعصي أوامر ربنا ونأخر زواج البنات؟». وما لم تذكره أم حمادة، ضمن مميزات الزواج المبكر للفتيات، هو ترحيل نفقات إعاشتها وأكلها وشربها من بيت أسرتها إلى بيت أسرة الزوج، ناهيك بالمهر الذي قد يتبقى منه شيء يعين أسرة الفتاة على مواجهة الحياة، هو ما يعني قيمة اقتصادية مضاعفة. وما بين الأعراف الاجتماعية، والتفسيرات الدينية، والنظريات الاقتصادية، وجدت أم حمادة في موقف لا تحسد عليه بعدما نزحت إلى القاهرة مع ابنتها الكبرى وأحفادها، بالإضافة إلى صغرى بناتها التي بلغت ال17 من العمر، ولم تتزوج بعد. وتتحدث أم حمادة عن بدرية وكأنها كابوس يرفض أن ينزاح أو مشكلة عصية على الحل. فقد جاءت قبل نحو عام إلى القاهرة، حيث تمكن زوج ابنتها من أن يحظى لها باتفاق لتعمل «بوابة» (حارسة عقار). «وعلى رغم أن ربنا استجاب لدعائي وتقدم شاب من قرية مجاورة لقريتنا، ويقيم في القاهرة، لخطبة بدرية، بدأت أسمع كلاماً عجيباً من هوانم العمارة تارة، ومن التلفزيون تارة أخرى». الكلام العجيب الغريب الذي تقصده أم حمادة هو أنه بموجب قانون الأسرة والأحوال الشخصية، تحددت سن الزواج للإناث ب18 سنة، بعد ما كان 16، وأن أي عقد زواج يتم تحريره دون هذه السن يُعتبر مخالفة للقانون. وهي ليست مخالفة عادية، بل جناية تزوير في محررات رسمية. وعلى رغم الشعور العارم الذي يسيطر على أم حماده بأن ما يفعله «بهوات مصر» هو ظلم على أصحاب الشأن، أي الفتيات الراغبات في الزواج (وذويهن)، واعتراضها على مثل هذه القوانين العجيبة التي لا تفكر في مصلحة البنات وصون عفتهن وحماية شرفهن، يبقى أن مشوار الألف ميل لإنقاذ الأطفال الإناث من زواج مبكر هن في غنى عنه، يبدأ بخطوة أو بالأحرى بخطوات تجرى في مصر منذ نحو 15 عاماً، ولكنها لم تتبلور إلا في الأشهر القليلة الماضية. وغزا وسائل الإعلام المصرية في الفترة الأخيرة كم هائل من الأخبار المتعلقة بمطاردات حكومية لظاهرة زواج القاصرات، سواء من خلال إلقاء القبض على مأذونين أبرموا عقود زواج لفتيات دون الثامنة عشرة، أم تقديم أب للمحاكمة بسبب تزويج ابنته القاصر، أم إيقاف طبيب عن العمل بسبب إصدار شهادة ميلاد لفتاة قاصر تفيد أنها في السن القانونية لإكمال إجراءات الزواج. وقبل أيام، أعلن النائب العام المستشار، عبد المجيد محمود، عن ضبط 9301 مخالفة لتوثيق زيجات دون السن القانونية، وتربعت القاهرة على رأس القائمة اذ شهدت 4102 حالة، وتلتها المنصورة ب3382، وبعدها طنطا ب834، ولم يزد عدد الحالات التي تم ضبطها في الإسكندرية على 15 حالة. ويشار إلى أن ارتفاع عدد الحالات التي تم ضبطها في القاهرة قد يعود في جانب منه إلى أن العاصمة تحتوي على ملايين النازحين من قرى الوجهين البحري والقبلي (الصعيد)، حيث زواج الفتيات الصغيرات مظهر عادي من مظاهر الحياة. وما زالت أم حمادة تواصل جهودها للبحث عن مخرج من مشكلة خوفها من مغبة تزويج بدرية. وتقول بأسى: «إما أن أسافر إلى البلد لإتمام الزيجة، قبل أن يمل العريس ويبحث عن غيرها، أو أنتظر عاماً حتى بلوغها السن القانونية، وربنا يستر». إصرار أم حمادة على إتمام الزواج ليس غريباً، لا سيما في ضوء نتائج الدراسة التي أعدها «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» (2006)، وأظهرت أن نحو 11 في المئة من الإناث في الفئة العمرية بين 16 و19 سنة متزوجات حالياً أو سبق لهن الزواج. يشار إلى أن أم حمادة لم تنجب ذكوراً، بل اكتسبت لقبها من نساء قريتها اللواتي نصحنها بذلك عله يكون فأل خير، وهو ما لم يحدث.