يعتبر يوسو ندور من أشهر فناني أفريقيا، وبين القلائل الذين نجحوا في المزج ما بين الموسيقى الافريقية والإيحاءات العالمية. اسمه يضاف الى أسماء مريم ماكيبا ومانو ديبانغو وموري كانتي في عالم ال «Cross-Over». بعد ثلاث سنوات على غيابه عن الجولات، وضع الوزير السنغالي السياسة جانباً ليعود خلال شهر الى جمهوره الاوروبي والعربي. فولدت بذلك جولته التي بدأها في المغرب لتشمل عشرات المدن الأوروبية وتنتهي في تونس السبت الماضي. «الحياة» التقت ندور، في مهرجان فربيي الخاص بالموسيقى الكلاسيكية في سويسرا، وكان معه الحوار الآتي: إنّها الجولة الأوروبية الأولى لك منذ ثلاث سنوات، أي منذ أن ترشّحت لرئاسة الجمهورية في السنغال ودخلت بعد ذلك الحكومة. لا بدّ أنك اشتقت الى الجمهور والى اجواء المهرجانات والجولات؟ - هذا صحيح. مضت ثلاث سنوات على الجولة الاخيرة التي قمنا بها. فدائماً ما تكون الجولات مميزة، نشكّل عائلة واحدة مع الموسيقيين، نسافر خلال شهر، نأكل معاً، نمضي الوقت، نضحك... وبالتالي فقد اشتقت الى الأجواء المرافقة للجولات. انتهت الجولة في تونس، قدّمت الكثير من الحفلات في كثير من المدن الأوروبية ولاقت نجاحاً كبيراً، لماذا؟ - الجمهور كان ينتظرنا. وعالم ال world music بحاجة الى كثير من العناصر وانا أحدها. التقيت خلال هذه الجولة موسيقيين كثراً، وعزفنا معاً. كانت لحظات مؤثرة جداً تبادلنا فيها الخبرات ونظرة كل واحد الى الموسيقى. كان لغيابنا ثلاث سنوات تأثير على مستوى هذه الموسيقى، وأعتقد أننا أعدنا تسليط الأضواء على موسيقى العالم، التي عادت لتتصدّر الكثير من الأحاديث والتقارير. تتحدّث عن موسيقى العالم لكننا اليوم في فربيي، هذا المهرجان العريق للموسيقى الكلاسيكية حيث نحن محاطون بأبرز النجوم الكلاسيكيين العالميين. انطلاقاً من هذا المهرجان هل تفكّر مثلاً في إدخال عناصر من الموسيقى الكلاسيكية الى موسيقاك؟ - نلجأ في الموسيقى الافريقية الى آلات تتوافق كثيراً مع آلات أخرى من حول العالم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، العمل المشترك الذي قمت به مع موسيقيين مصريين. علينا أن نبحث عن تيارات وأساليب موسيقية تسمح بتلاقي تيارات موسيقية مختلفة من حول العالم. أودّ لو نعود الى أسطوانة «مصر» في الاسواق العالمية أو «صنت الله» (بالسنغالية) في الاسواق الافريقية. هو مشروع تناولت فيه الاسلام والصوفية والموسيقى العربية. لقد تأثّرت بالموسيقى العربية منذ أن كنت صغيراً. حدّثني عن هذه الموسيقى وعمّا تعنيه لك. - منذ صغري كنت استمع الى الراديو مع أبي وكنّا نمضي ساعات ونحن نستمتع بصوت أم كلثوم. لطالما نظرنا الى الموسيقى العربية على أنّها موسيقى تعطي الصوت مساحات كبيرة. في هذه الموسيقى مساحة للارتجال، لتصفيق الناس... ولقد اهتممت بهذه العناصر. وفي اليوم الذي التقيت فيه الفنان فتحي سلامة خلال شهر رمضان، فكّرت في العمل على هذا المشروع. أردت أيضاً من خلال هذا المشروع التوقف عند الاسلام وكيف نعيشه كأفارقة. فالإسلام غير محدود بالعرب. في السنغال لدينا الكثير من الطرق الصوفية ولدينا رجال دين بشّروا بالإسلام منذ القدم، لا بل أنهم وقفوا في وجه المستعمر باسم الاسلام. فالصلاة هي نفسها والدين هو نفسه وإنّما طريقة تناوله تختلف. أردت في الأسطوانة التوقف عند هذه الطرق وعند دورها في التبشير بالإسلام في افريقيا السوداء. انّها طريقة للقول إنّ للإسلام حضوراً بارزاً في السنغال مع اكثر من 95 في المئة من السكان الذين هم من المسلمين. ذكرت صوت أم كلثوم، ووصفته بالرائع. كيف تأثّرت بهذا الصوت؟ هل حاولت مثلاً استعادة تقنياتها في الغناء وبخاصة في هذه الأسطوانة؟ - هناك طبعاً التقنية التي تأثرت بها. لأم كلثوم صوت في غاية الجمال. ولكن هناك أيضاً تلك المساحات والآلات في الموسيقى العربية والتي كانت تسمح لها بأن تقوم بكثير من التنغيم والارتجال. هذه الأغاني تتناول احياناً الاسلام ولكن تتطرق أيضاً الى المجتمع. عندما نتناول موضوع الاسلام في بلادنا يعتقد كثر أن تناول الموضوع ينحصر في نخبة معيّنة من الناس أو أشخاص بإمكانهم غناء ذلك. كانت لدي الشجاعة لكي أضع صوتي على نصوص تتناول مشايخ الطرق الصوفية ودورهم في المجتمع. لقد تعلّمت الكثير من هذه التجربة. عرفت منذ بداياتك كفنانٍ ملتزم. ناضلت في سبيل عددٍ من القضايا من معارضتك للتمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية الى الفقر في العالم... كما كانت هناك السياسة منذ ثلاث سنوات مع ترشّحك لرئاسة الجمهورية. الى أين سيقودك هذا الالتزام؟ - لم يكن لدي يوماً خطّة معيّنة. تجاوبت مع الأمور كما كانت تأتي إليّ. التزامي كمناضل من أجل الدفاع عن حقوق الانسان ومن أجل الحديث بصوتٍ آخر عن أفريقيا والتعريف بطريقةٍ أفضل عنها، كلّ هذه القضايا موجودة في نصوص كلمات أغاني الفنان الملتزم الذي أمثّل. أمّا من الناحية السيّاسية فجرت بعض الأحداث في السنغال التي استدعت منّي كما من الكثير من السنغاليين ردّ فعلٍ معيّناً. جرت محاولة تعديل الدستور ولم أكن موافقاً على ذلك. فواجهت الأمر بالتّرشح للانتخابات الرئاسية. استمرّ الآن بالعمل السياسي. قبلت في الفترة الاولى تولّي حقيبة وزارية خاصة بالثقافة وبالسياحة، وبعد ذلك اتّفقت مع الرئيس على أن أكون وزيراً من دون حقيبة ومستشاراً له من أجل متابعة مسيرتي الفنّية. «السيدّ الرئيس» هل هو لقبٌ تحلم بأن تنادى به؟ - ترشّحي لانتخابات 2012 أصبح ورائي. لدينا اليوم رئيس أعمل وأتّفق كثيراً معه. أنا هنا من أجل خدمة بلادي. إن استلزم الأمر في مرحلةٍ معيّنة أن أكون حاضراً فسألبّي النداء، ولكن ليست الشرفيات هي التي تشكّل دافعي الأساس. عندما ننظر الى مسيرتك انت الآتي من بيئة متواضعة جداً، أصبحت اليوم أبرز مغنٍّ إفريقي، ومن أغنى السنغاليين وأكثرهم نفوذاً. هل خلت يوماً أنّك ستنجح في تحقيق كل ذلك؟ - عندما أنظر الى كل ما حققته أفكّر في الشباب، الشباب المحبط من دون عمل. أنا بدأت من لا شيء وأقول إن النجاح ممكن. يجب المثابرة والعمل. بالطبع يمكن أن نولد مع موهبة معيّنة ولكن ذلك لا يكفي. يجب أن نؤمن بما نريد تحقيقه، يجب أن نعمل، يجب أن ننفتح. لطالما كانت كلمة «مستحيل» بعيدة عنّي. حاولت أن أخطو الخطوات الواحدة بعد الأخرى وأن أرغم نفسي على تحقيق النتائج.