يقول عازف العود السوري خالد الجرماني، إن العود ليس مجرد آلة موسيقية بالنسبة إليه، وحين يحتضنها يشعر بأنه خارج الزمان والمكان، عازفاً أرواح كل من رحلوا. ويضيف في حديث إلى «الحياة»، أن الأمسية الموسيقية التي قدمها في معهد «الثقافات الإسلامية» في باريس، كانت مناسبة لإطلاق ألبومه الجديد «منفى». ويشير العازف والمؤلف والمغني إلى أنه قدم ثماني معزوفات جديدة، واسمتع الجمهور إلى قصيدة «ليلى» الملاحظ فيها استعمال إيقاع سماعي ثقيل، معتمداً على مقام النوى، منتقلاً إلى مقام النهوند في معزوفة أخرى. الجرماني الذي أمتع الجمهور بثرائه الموسيقي، أكمل مع معزوفة «منفى» التي يصبح الاغتراب معها ثقلاً شديد الوطأة على الروح، وهذا ما تحاول المعزوفة قوله بلغة موسيقية. ومن المعزوفات الجديدة في الألبوم، «خسوف الشمس» و «أبداً تحن إليكم الأوراح» و «بلا اسم» و «سراب». ويلحظ المتلقي في الأسطوانة الجمع بين المناخات الصوفية والقصيدة المغنّاة الفصحى منها والعامية. الشاب الذي تخرج في المعهد العالي للموسيقى في دمشق عام 1999، ينتمي إلى أسرة تربطها بالموسيقى «علاقة تقمص». وصل إلى باريس عام 2003، عازفاً برفقة الموسيقي الفرنسي سيرج تيسو غاي. ومن هناك، مروراً ببقية العواصم والمدن الأوروبية، أصبح للجرماني جمهور يطرب له، فيما يتنقّل بين تقاسيم الموسيقى وفضاء مشروع ثري. عن بدايات ولعه بالموسيقى، يقول مبتسماً: «منذ صغري كنت مولعاً بالعود، والسجن زاد تعلقي بهذه الآلة». ويتابع حديثه عن تلك المرحلة التي كان فيها مطلوباً للخدمة الإلزامية، معتبراً أن ذلك التاريخ غيّر أشياء كثيرة في حياته، «كنت أمضي الوقت عازفاً، وباتت هذه العادة تمريناً على التصالح مع الحياة، ومنذ ذلك الوقت لم يعد العود يفارق يدي». ويضيف: «لا يمكن تجنّب التأثر بنموذج، خصوصاً في البدايات، لكن مع مرور الوقت وازياد الوعي الفني، نصبح أكثر التزاماً بأفكارنا ومبادئنا»، من دون أن ينكر إعجابه بالعازف السوي سلمان شكر. وعن أسطوانته الجديدة يقول: «منفى هي سيناريو يحمل ذاكرة المكان والشخوص، المكان بما فيه من أمور يومية وثقافية، والشخوص كونهم رموزاً لكل القضايا، الكبرى منها والشخصية». ويكمل رافضاً نمط التصوير الروائي أو الشعري في التأليف الموسيقي، معتبراً أن «كل المقطوعات الأخيرة هي حالة صوفية تبدأ بتقاسيم موسيقية وتنتهي بفضاء سيمفوني»، لافتاً إلى أن الاستماع جزء لا يتجزأ من الموسيقى الجديدة، وأن للمعرفة النصية دوراً كبيراً في تجاربه الأخيرة. ويهدي الجرماني معزوفة «بلا اسم» إلى كل معتقل، وهي مستوحاة من قصيدة فرنسية، ويعتبرهاً تجسيداً لكل سوري عاشق للحرية ويريد جلاده سلبه كيانه، ومطلعها: «كم جميلة هي أسماؤنا، وكم هو شعور قبيح حين تسلب منا، لا نريد أن نصبح أرقاماً». ويشير إلى كره الموسيقي للسياسة، ولكن يطمح في الأيام المقبلة إلى تأليف معزوفات يكون شخوصها ورموزها الأبناء الشرعيين للحرية في سورية، على حد تعبيره. العازف الذي حل ضيفاً على أهم مسارح أوروبا ودور الأوبرا فيها، وحظي باهتمام الصحافة وكرمه راديو فرنسا 1، وعزف مع فنانين مشهورين أمثال عازف الغيتار سيرج تيسو غاي، وعازف الكلارينيت كلود ميرنيه، يعتبر أن الإضافة الأهم التي قدمتها له أوروبا وفرنسا خصوصاً هي تطوير موهبته وتنميتها في ظل ما يتوافر من ظروف النجاح لمن يرغب في العمل والابتكار. يعتبر الجرماني الجمهور الفرنسي متنوعاً وحساساً وذكياً، ويقول: «أمام جمهور متنوع ومزاجه مرهف، ويجعلك تنسى أنك في هذا العالم، تذهب إلى عالم آخر لتقنع جمهورك. هذا شعور مميز ومختلف، لا يمكن أن يختزل باللغة».