تفرض الملفات الدولية التي غابت عن حملة الانتخابات الفرنسية نفسها بقوة في المهمات المقبلة للرئيس المنتخب فرنسوا هولاند. وطرح الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ اتصاله الأول بهولاند للتهنئة بانتخابه، تعاونهما في «ملفات صعبة في مجالي الاقتصاد والأمن بين البلدين»، في إشارة واضحة إلى أفغانستان وأزمة الديون الأوروبية التي تعتبر واشنطن أنها تهدد انتعاشها الاقتصادي الذي لا يزال ضعيفاً بعد أزمة الانكماش بين عامي 2007 و2009. وفيما يؤكد هولاند عزمه على «إعادة التفاوض» في معاهدة الانضباط المالي الأوروبية بهدف إضافة «شق إنمائي» إليها عبر تمويلات من المصرف المركزي الأوروبي، وهو ما تعارضه المستشارة الألمانية أنغلا مركل الداعية إلى التقشف والصرامة، تمنّت مركل أن يزورها الرئيس الفرنسي المنتخب في أسرع وقت، مع العلم أنها كانت ساندت ساركوزي خلال الحملة الانتخابية. ومع ترجيح أوساط هولاند إبلاغه أوباما قرار سحب القوات الفرنسية من أفغانستان هذه السنة، يشكك المراقبون في توافر القدرات التقنية لتنفيذ الانسحاب بهذه السرعة، على رغم إعلان وزارة الدفاع الأفغانية امس أن قواتها تستطيع تحمل مسؤولية الأمن عام 2013، ما يقلل من أهمية الأخطار الناتجة من سحب القوات الفرنسية البالغ عددها 3400 عنصر قبل الموعد المحدد. وقال الناطق باسم الوزارة الجنرال محمد زاهر عظيمي: «بالنسبة لنا موقف الحلف الأطلسي أكثر أهمية من قرارات أحادية تتخذها دول بمفردها». وبالنسبة إلى الملف الإيراني، سيكون هولاند صارماً في شأن مواصلة سياسة العقوبات المشددة ضد طهران من أجل حملها على التخلي عن تطوير سلاح نووي، علماً أن إيران أملت بأن يصحح هولاند «السياسات الفاشلة» لسلفه ساركوزي، وأن نشهد «عهداً جديداً من استخدام الطاقات المتوافرة لدي البلدين، بعيداً من العدائية تجاه الجمهورية الإسلامية وبلدان المنطقة وقضية أفغانستان، وأساليب التعامل غير السليم مع تطورات الشرق الأوسط». ويعتبر موقف هولاند حازماً من نظام بشار الأسد، بعدما انتقد مرات استقبال ساركوزي إياه في بداية ولايته. وهو صرح خلال حملته الانتخابية بأنه إذا تولى الرئاسة وتوصل مجلس الأمن إلى قرار تنفيذ تدخل عسكري لوقف العنف في سورية فسيشارك في القرار. ويعتمد هولاند على غرار ساركوزي مواقف متوازنة من القضية الفلسطينية، فيما سبق أن زار لبنان كأمين عام للحزب الاشتراكي الفرنسي والتقى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في المختارة. لكن لبنان ليس حالياً على خريطة أولويات السياسة الدولية باعتبار أن التركيز العالمي ينصب الآن على ملفي إيران وسورية. وقال مدير حملة هولاند بيار موسكوفيسي، إن «هولاند تلقى سلسلة اتصالات من رؤساء دول، بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو والعاهل المغربي الملك محمد السادس. أما بالنسبة إلى تركيا فنقلت مصادره أنه سيكون أكثر وضوحاً في التعامل مع مسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وسيتخذ قرار الموافقة نهائياً على هذا الأمر أو رفضه، وليس المماطلة. وأمل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي ينتمي إلى التيار السياسي الإسلامي، بحصول تغييرات في العلاقات بين البلدين، و «تدشين مرحلة مختلفة على صعيد العلاقات التركية - الفرنسية». وقال أردوغان إن «الرسائل الشعبوية التي تخللت الحملة الانتخابية في فرنسا يجب أن تزول، وإلا سينعكس ذلك سلباً على العلاقات الثنائية». وهنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره هولاند بالفوز، مبدياً استعداده للعمل معه «بنشاط»، وكذلك رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون الذي أكد أنه «يتطلع للعمل في شكل وثيق معه في المستقبل». وفي الصين، أكدت وزارة الخارجية استعدادها للعمل مع الجانب الفرنسي ومعالجة القضايا الثنائية بأفق استراتيجي وعلى المدى الطويل، وقالت إن «مواصلة النمو السليم والمنتظم للعلاقات بين الصين وفرنسا لا يخدم مصلحة البلدين والشعبين فقط، بل أيضاً السلام العالمي والاستقرار والتنمية».