شهدت منطقة رفح جنوب قطاع غزة أمس مجزرة إسرائيلية غير مسبوقة راح ضحيتها 54 شهيداً، بينهم 7 نساء و8 أطفال و3 مسعفين، وأكثر من 350 جريحاً. وقال شهود وأطقم طبية إنهم وجدوا آثار إطلاق نار في الرأس على عدد من الجثث، ما يعني أنه تمت عمليات إعدام جماعية في منازل البلدة، في وقت أعلنت وزارة الصحة قطاع غزة منطقة منكوبة مائياً وبيئياً، محذرة من كارثة إنسانية. ورغم إعلان إسرائيل أسر الضابط هادار غولدن البريطاني الجنسية، واتهامها حركة «حماس» بتنفيذ هذه «العملية النوعية» بعد سريان التهدئة بساعة ونصف قرب معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي رفح عند نقطة تلاقي حدود القطاع مع مصر وأراضي ال48، إلا أن «حماس» لم تعلن حتى الآن رسمياً عن عملية الأسر، وإن كانت وكالة الأنباء التركية «الأناضول» نقلت عن عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق قوله من القاهرة إن أسر الضابط وقتل الجنديين وقعا قبل سريان التهدئة بساعتين. وقال أبو مرزوق إن «إسرائيل أبلغت الأممالمتحدة رسمياً باختفاء ضابط إسرائيلي ومقتل عدد من الجنود، في عملية للمقاومة الفلسطينية في رفح»، مشيراً إلى أن «الأممالمتحدة أبلغت بدورها مصر بذلك باعتبارها الوسيط». ولفت في تغريدة على «تويتر» أنه تم «إرجاء زيارة الوفد الفلسطيني للقاهرة» إلى اليوم. واكتفت «حماس» بالإشارة إلى إعلان إسرائيل عنه أسر الضابط، وقالت في بيان إن «إعلان الاحتلال الإسرائيلي خطف أحد جنوده تبرير لاختراقه الهدنة التي أعلنت عنها الأممالمتحدة، وتغطية على المجازر الوحشية، خصوصاً في رفح جنوب قطاع غزة». من جهتها، قالت «كتائب القسام» إنها «لن تسمح بالتغوّل على أبناء شعبنا»، وتوعدت بأن تكون «أي قوة تحاول استباحة أرضنا هدفاً مشروعاً للمجاهدين». وأضافت في بيان بعد الإعلان عن أسر غولدن، إن «العدو لا يزال يواصل جرائمه في حق أبناء شعبنا وضرب كل الجهود الرامية لإنهاء عدوانه على قطاع غزة المحاصر، وآخرها القصف العشوائي الذي شنته طائراته ومدفعيته على أهلنا في المنطقة الشرقية لرفح في خرق فاضح للتهدئة المعلنة، واستخفاف بالجهود الإقليمية والدولية التي أفضت إلى هذا الاتفاق». وأشارت إلى أنه «بعد عدوانه السافر هذا وتنصله من وقف النار، بدأ الاحتلال يدعي كذباً أن المقاومة هي من خرقت التهدئة»، مؤكدة أنه «على مدى الأيام العشرين الماضية لم يكن هناك وجود لأي جندي إسرائيلي في المنطقة الشرقية لرفح». وأوضحت أنه «بعد الإعلان عن التوصل الى اتفاق تهدئة، فإن الاحتلال بدأ بالتحرك في تلك المنطقة، وتوغل في تمام الساعة الثانية (فجراً)... شرق رفح مسافة 2.5 كيلومتر»، معتبرة أن «هذا يوضح بما لا يدع مجالاً للشك النية المبيتة لدى الاحتلال لخرق التهدئة والتعدي على أرضنا وأبناء شعبنا العزل». وقالت إنه «أمام هذا التقدم الإسرائيلي، قام مجاهدونا في تمام الساعة السابعة صباحاً بالاشتباك مع القوات المتوغلة، وأوقعوا في صفوفهم عدداً كبيراً من القتلى والجرحى». وعقب العملية، دكت المدفعية الإسرائيلية منطقة رفح ودمرتها وسوت مباني عديدة بالأرض. رغم ذلك، شعر سكان القطاع بالفرح عندما انتشر الخبر كالنار في الهشيم في المناطق المختلفة قبل الإعلان عنه، وبث ذلك فيهم الأمل بتبييض السجون الإسرائيلية من نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني، بعضهم محكوم عليه بالسجن المؤبد عشرات المرات، وآخرون أمضوا أكثر من 30 عاماً خلف الجدران الرطبة. معبر رفح في هذه الأثناء، قالت وزارة الداخلية في غزة إن «السلطات المصرية أغلقت معبر رفح أمام حافلتين تضمان 120 مسافراً ظهر أمس، وما زالوا محتجزين داخل المعبر في وضع خطير جداً نتيجة سقوط القذائف الإسرائيلية في المكان». وأوضح الناطق باسم الوازرة في غزة إياد البزم أن الوزارة أجرت «اتصالات مع السلطات المصرية لفتح المعبر وإدخالهم حرصاً على حياتهم، لكنها رفضت ذلك». وأضاف أنهم أجروا «اتصالات مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتوفير الحماية لهم وتأمين عودتهم إلى بيوتهم، لكن الجيش الإسرائيلي رفض إجراء التنسيق» لضمان عودتهم الى منازلهم. كما علق نحو 120 آخرين، من بينهم عشرات الجرحى، في المستشفى الأوروبي الواقع بين مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين في منطقة تبعد نحو كيلومترين عن الحدود الشرقية والمناطق المتوغلة فيها قوات الاحتلال. ووجه العالقون الذين كانوا في طريقم إلى المعبر للسفر الى الخارج لمعالجة أبنائهم من جرحى العدوان المتواصل من 25 يوماً، مناشدات الى الصليب الأحمر ووزارة الصحة لإرسال سيارات إسعاف لإعادتهم الى منازلهم في غزة وشمالها، من دون جدوى بسبب العدوان المتواصل على رفح. وكان مسؤول مصري في معبر رفح أعلن أن الجانب المصري استقبل 27 مصاباً فلسطينياً، وأن اللجنة الطبية أرسلت اثنين منهم للعلاج في مستشفى العريش العام، والباقي للعلاج في مستشفيات القاهرة. كما أعلن إدخال الدفعة الثالثة من المساعدات الغذائية المصرية إلى قطاع غزة تسلمها مندوب الهلال الأحمر الفلسطيني. وأضاف أنه وصل الى الجانب المصري من معبر رفح 531 عالقاً مصرياً وأجنبياً، فيما عاد الى القطاع 70 عالقاً فلسطينياً، بعضهم عائد من الدول العربية والعالم الخارجي إلى القطاع. القطاع المنكوب في غضون ذلك، أعلنت سلطة المياه الفلسطينية ومصلحة مياه بلديات الساحل عن قطاع غزة «منطقة منكوبة مائياً وبيئياً بسبب عجزها شبه التام عن تقديم خدمات المياه والصرف الصحي لسكان القطاع» البالغ عددهم 1.8 مليون فلسطيني. وحذر مدير المصلحة منذر شبلاق من «كارثة إنسانية إن لم تتوقف الحرب عن غزة والتمكن من الوصول لمرافق المياه التي دمرها الاحتلال لإصلاحها». وأشار إلى أن «القطاع بحاجة الى 140 ألف متر مكعب من المياه يوماً»، مطالبا المجتمع الدولي ومؤسساته، وعلى رأسها الأممالمتحدة، «بالتحرك الفوري والعاجل لمواجهة الأزمة الخطيرة وتفادي وقوع الكارثة نتيجة استمرار الحرب الإسرائيلية». ميدانياً وارتكبت قوات الاحتلال سلسلة مجازر قبل بدء سريان التهدئة عند الثامنة من صباح أمس وبعدها، فيما تم انتشال جثث 25 شهيداً، من بينهم أسر كاملة من بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس. وقال أطقم طبية وشهود إنهم وجدوا آثار إطلاق نار في الرأس على عدد من الجثث، ما يعني أنه تمت عمليات إعدام جماعية في منازل البلدة. كما أعلنت وزارة الصحة أنه سقط خلال هذا العدوان 15 من الأطقم الطبية. وبعد انهيار التهدئة، انتشلت الأطقم الطبية 29 شهيداً، و12 جريحاً من منزل عطية ماضي في رفح بعد قصف طاوله، إضافة الى عشرات آخرين من المدينة ومناطق أخرى في كل القطاع. وقال شهود ل «الحياة» ممن توجهوا صباحاً لتفقد منازلهم في المناطق الشرقية لمدينة رفح أنهم فوجئوا بالقصف الجوي والمدفعي العنيف على المنطقة. ورووا بألم مشاهد مروعة، وأنهم شاهدوا جثثاً قطعت رؤوسها وأشلاء متناثرة على كل الطرق. وقال أحمد صلاح الذي كان يتفقد منزله عند بدء القصف ل «الحياة» إنه عاصر العدوان الثلاثي عام 1956 ونكسة 1967، إلا أنه لم ير في حياته قصفاً عنيفاً بهذا الشكل، ولا دماراً وقتلاً بشعاً مماثلاً. وفي مجازر ما قبل التهدئة، سقط تسعة شهداء في قصف لعائلة البيومي في مخيم النصيرات وسط القطاع، وستة شهداء، من بينهم طفلة، وأصيب 13 آخرون في قصف في شارع الساقية في بلدة بني سهيلا شرق المجاورة لخزاعة، وثمانية آخرون وعدد من الجرحى في غارة على منزل لعائلة الفرا في خان يونس. وقبل المجازر الأخيرة، رصدت وزارة الصحة ارتكاب قوات الاحتلال مجازر مروعة في حق 70 عائلة، سقط خلالها 570 مواطناً، فيما أصيب 958 آخرين بجروح متفاوتة. وقالت الوزارة إن شهداء عائلات مجازر الاحتلال يشكلون 40 في المئة من إجمالي شهداء العدوان. ورداً على تلك المجازر، أطلقت فصائل المقاومة مئات الصواريخ والقذائف على المواقع والمستوطنات، خصوصاً جنوب إسرائيل. كما أطلقت صواريخ على مدن في وسط إسرائيل وعلى مدينة تل أبيب.