لم تصمد التهدئة الإنسانية التي أُعلِنَت في قطاع غزة صباح أمس الجمعة أكثر من بضع ساعات، ليتواصل حمام الدم حاصداً 40 قتيلاً فلسطينياً جديداً، في حين أعلنت إسرائيل مقتل اثنين من جنودها واحتمال أسر ثالث هو هدار غولدن (23 سنة). وفي حين حمَّلت حكومة الاحتلال حماس مسؤولية خرق التهدئة، قال نائب المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق، إن «أي عملية تمت، جرى تنفيذها قبل بداية وقف إطلاق النار». وعن الجندي المخطوف، أوضح أبو مرزوق الموجود حالياً في القاهرة أن أي إعلان عن خطف جنود لا بد أن يتم عن طريق الجناح العسكري لحماس «كتائب عز الدين القسام»، لكنه لم ينفِ خطف الجندي. وشدد أبو مرزوق على رغبة حماس في الالتزام بهدنة ال 72 ساعة إذا ما التزمت إسرائيل بها. وحمَّلت حماس، التي تطالب بانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، إسرائيل مسؤولية استئناف الأعمال العسكرية، وقال المتحدث باسمها فوزي برهوم إن «الاحتلال هو الذي انتهك وقف إطلاق النار» وإن «المقاومة الفلسطينية تحركت باسم حقها في الدفاع لوقف المجازر التي تطاول شعبنا». في الإطار نفسه، ذكرت كتائب عز الدين القسام في بيانٍ صحفي أن «العدو يدعي كذباً أن المقاومة هي من خرقت التهدئة». وأضاف البيان «نحن نؤكد أنه وعلى مدى الأيام العشرين الماضية لم يكن هناك وجود لأي جندي صهيوني في المنطقة الشرقية لرفح، إلا أنه وبعد الإعلان عن التوصل لاتفاق تهدئة، فإن العدو بدأ بالتحرك في تلك المنطقة، وتوغل في الثانية من صباح الجمعة شرق رفح مسافة كيلومترين ونصف الكيلومتر». وتابع البيان «أمام هذا التقدم الصهيوني، قام مجاهدونا في تمام الساعة 07:00 صباحاً -قبل ساعة من دخول التهدئة حيز التنفيذ- بالاشتباك مع القوات المتوغلة وأوقعوا في صفوفهم عدداً كبيراً من القتلى والجرحى». بدوره، توعد جيش الاحتلال ب «تحركات كبيرة رداً على عدوان حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى في قطاع غزة». وتجدد القصف الإسرائيلي بقوة بعد هذه التطورات، وأُعلِن عن مقتل 40 فلسطينياً على الأقل في قصف على شرق رفح ظهر أمس. وأفاد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، بأن «عدد الشهداء في مجزرة رفح وصل إلى 40 شهيداً على الأقل وأكثر من 250 جريحاً جميعهم من المدنيين وبينهم أطفال ونساء وكبار في السن». وذكر صحفي من مسرح الأحداث أنه، وبعد ساعتين على بدء التهدئة، دوَّت صفارات الإنذار في الأراضي المحتلة لتحذير السكان من إطلاق صاروخ من موقع قريب من رفح، وردت عليه المدفعية الإسرائيلية. وقبل بدء سريان هذه التهدئة الإنسانية، سُجِّلَ قصف مكثف وإطلاق صواريخ، لكن عند الساعة الثامنة ساد هدوء في القطاع. والتهدئة كانت الأولى التي يوافق عليها الاحتلال وحركة حماس منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة في 8 يوليو الفائت. وكان الإعلان عن التهدئة صدر ليل الخميس في بيان مشترك بين وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. وقال كيري إن إسرائيل وحماس توافقتا على «وقف لإطلاق النار دون شروط مسبقة وقابل للتمديد» في قطاع غزة لمدة 72 ساعة اعتباراً من صباح الجمعة (5.00 بتوقيت غرينتش/ 8.00 في قطاع غزة). وأعلن كيري، الذي يزور نيودلهي، أن «الجانبين سيباشران مفاوضات في القاهرة»، موضحاً أن وقف النار سيستمر ل 72 ساعة «إلا إذا تم تمديده»، ولفت إلى أنه «خلال هذه الفترة ستبقى القوات على الأرض في مكانها». وقبل بدء العمل بالتهدئة، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 5 من جنوده مساء أمس الأول، الخميس، ب «قذائف أطلقها فلسطينيون على الجانب الآخر من الحدود». وإلى جانب وقف الضربات الإسرائيلية، تطالب حماس بانسحاب قوات الاحتلال من القطاع ورفع الحصار المفروض عليه منذ العام 2006. وكان مجلس الأمن الدولي دعا أيضاً في بيانٍ أمس الأول إلى «وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار» في قطاع غزة، مطالباً أيضاً ب «هدنات إنسانية» لإغاثة السكان. وسارع البيت الأبيض إلى تحميل حماس مسؤولية سقوط التهدئة، وقال المتحدث باسمه، جوش آرنست، لشبكة «سي إن إن» التليفزيونية إن «الإسرائيليين أعلنوا صباح الجمعة أن وقف إطلاق النار انتُهِكَ وأن عناصر من حماس استخدموا بشكل ظاهر التهدئة الإنسانية لمهاجمة جنود إسرائيليين وأسر رهينة، وهذا يشكل انتهاكاً همجياً لاتفاق وقف إطلاق النار». كما دعا الاتحاد الأوروبي أمس إلى احترام التهدئة مجدداً في غزة وذلك بعيد إعلان الجيش الإسرائيلي انتهاء العمل بها. وقالت المتحدثة الدبلوماسية باسم الاتحاد الأوروبي، مايا كوسيانسيتش، إن الاتحاد «يعتبر أنه من الضروري إعلان وقف لإطلاق النار واحترامه ووقف سقوط قتلى من المدنيين». سياسياً، أعلنت الرئاسة الفلسطينية أمس أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس شكل الوفد الفلسطيني الذي سيتوجه إلى القاهرة لإجراء محادثات مع المسؤولين المصريين حول وقف لإطلاق النار في غزة. وجاء في بيان للرئاسة الفلسطينية نقلته وكالة الأنباء الرسمية (وفا) أن الرئيس عباس شكل الوفد الذي سيتوجه اليوم السبت إلى القاهرة «مهما كانت الظروف». وسيضم الوفد 12 ممثلاً عن حركة فتح بزعامة عباس وعن حماس التي تسيطر على قطاع غزة وعن حركة الجهاد الإسلامي.