من المتوقّع أن يحتلّ موضوع أفغانستان حيّزاً كبيراً في القمة التي سيعقدها حلف شمال الأطلسي في شيكاغو في 20 و21 أيار (مايو) المقبل في حين يتعيّن على الزعماء المجتمعين مواجهة ثلاثة وقائع مزعجة. أولاً، يبدو أنّ المحادثات مع حركة «طالبان» لم تُجْدِ نفعاً، الأمر الذي أبعد احتمال بلوغ مخرج للنزاع يتمّ التفاوض عليه. ويعيد ذلك إلى الواجهة إمكان انسحاب حلف شمال الأطلسي قسراً، ما يعني إلحاق هزيمة مهينة به. قدّم هذا الشهر أدلة مقلقة بشأن قدرة «طالبان» المتزايدة على شنّ هجمات منسّقة في جميع أنحاء البلد حتى في المناطق التي تحظى بنسبة عالية من الأمن. وفي 15 نيسان (أبريل)، تسلّل مقاتلون انتحاريون تابعون لحركة «طالبان» إلى كابول وشنّوا هجوماً على حيّ السفارات المحصّن والبرلمان. وقُتل نحو 36 متمرداً و11 عنصراً من قوات الأمن الأفغانية خلال تبادل لإطلاق النار بالمسدسات. أما الواقع المزعج الثاني، فهو أنّ الرأي العام في الولاياتالمتحدة وفي الدول الحليفة لها تعب من الحرب ويبدو غير مقتنع بأنّ القتال والموت في أفغانستان البعيدة سيجعله في منأى عن الهجمات الإرهابية. ويدلّ التصريح الأخير الذي أطلقه ريان كروكر، السفير الأميركي في كابول، على أنّ إدارة أوباما لم تأخذ ذلك بالاعتبار: فقال: «من شأن الانسحاب قبل أن يتمكن الأفغان من إحكام السيطرة على الأمن بالكامل أي بعد بضع سنوات، دعوة «طالبان» وشبكة حقاني (وهي شبكة إسلامية موجودة في باكستان) وتنظيم «القاعدة» إلى العودة والتحضير لهجمات أخرى شبيهة بتلك التي شُنّت في 11 سبتمبر 2011. وأظن أنّ هذا الخطر غير مقبول بالنبسة إلى أي أميركي». هل كروكر على حق؟ من الواضح أنّ بعض حلفاء الولاياتالمتحدة يخالفونه الرأي، فأعلن أحدهم قراره الانسحاب قبل الإطار الزمني المتفق عليه عام 2014. وأشارت رئيسة وزراء أستراليا جوليا غيلارد هذا الأسبوع إلى أن القوات الأسترالية التي تضمّ 1550 جندياً، ستنسحب من الجبهة الأمامية بحلول منتصف عام 2013، على أن يقتصر دورها على تقديم الدعم. وفي شيكاغو، من المتوقّع أن تحاول إقناع زملائها أنّه يجب إنهاء الدور القتالي الذي يضطلع به حلف الأطلسي في أفغانستان في منتصف عام 2013 وليس في نهاية عام 2014. غير أنّ المرشح للرئاسة الفرنسية فرانسوا هولاند قدّم اقتراحاً أفضل، فتعهّد بإعادة 3550 جندي فرنسي إلى ديارهم في نهاية هذا العام في حال تمّ انتخابه رئيساً في 6 أيار كما يتوقع عدد كبير من الأشخاص. ثالثاً، تبدو الولاياتالمتحدة عازمة على الحفاظ على وجود نوعي على المدى الطويل في أفغانستان بسبب ما تعتبره تهديداً إرهابياً مستمراً، ما أثار امتعاض إيرانوباكستان. وقد يختلف زعماء حلف شمال الأطلسي خلال قمة شيكاغو حول الجهة التي ستتكبد فاتورة المساعدة المستمرة التي سيتمّ تقديمها إلى أفغانستان بعد عام 2014. وبما أنّ الميزانيات محدودة، أجمع أعضاء الحلف على أنه لم يعد ممكناً تمويل الجيش الأفغاني الذي يضمّ 352 ألف جندي وتزويده بالمعدات، علماً أنّ هذا الهدف طموح للغاية ومن غير المتوقع بلوغه هذه السنة. بدلاً من ذلك، يجب تقليص عدد أفراد الجيش إلى 230 ألف جندي، ما يكلّف المانحين حوالى 7 بلايين دولار في السنة. ويترتب على الولايات المتحدّة تسديد حصة الأسد، فيما تتولى دول حلف شمال الأطلسي تسديد المبلغ المتبقّي. وفي حال تمّ تقليص عدد أفراد الجيش الأفغاني كما تمّ اقتراحه، ما الذي سيحل بالجنود البالغ عددهم 120 ألفاً الذين يتمّ تسريحهم؟ قد ينضمون إلى صفوف المتمردين، لا سيّما أنهم مسلحون ومدرّبون. ويشكّل هذا السيناريو كابوساً بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي. لقد سجّلت هذه السنة تطوّراً مزعجاً، إذ قام الجنود الأفغان في مناسبات عدّة بتوجيه أفواه بنادقهم نحو المدربين التابعين للحلف. ومنذ شهر كانون الثاني (يناير)، قتل الجنود الأفغان 16 من الجنود التابعين للحلف. كما تمّ التوصل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي إلى اتفاق حول مسوَّدة معاهدة استراتيجية بين الولاياتالمتحدةوأفغانستان لتقديم تعاون مضاد للإرهاب ومساعدة اقتصادية أميركية على مدى عقد على الأقل بعد عام 2014. وتمّ خلال المفاوضات المطوّلة حلّ مسألتين كانتا محطَّ نزاع، الأمر الذي مهّد الطريق أمام بلوغ اتفاق حول المعاهدة الاستراتيجية. أولاً، وافقت الولاياتالمتحدة على تسليم الأفغان مركز باروان للاعتقال حيث يتمّ اعتقال المتمردين المشتبه فيهم واستجوابهم. ثانياً، وافقت الولاياتالمتحدة على أن يهتم الأفغان بعمليات الدهم الليلية لمنازل الإرهابيين المشتبه فيهم التي كانت تنفذّها القوات الخاصة الأميركية. وتشمل عمليات الدهم الليلية اقتحام المنازل التي تنام فيها العائلات، ما أثار سخط الأفغان. كما تسبّب خرق خصوصية النساء بغضب كبير. متى ستدرك الولاياتالمتحدة أن سياسات مناهضة الإرهاب تولد إرهابيين أكثر من أولئك الذين تقتلهم الطائرات من دون طيار والهجمات الجوية والأعمال العنيفة الأخرى؟ ولّدت «حرب أميركا المستمرة على الإرهاب» مشاعر معادية للأميركيين في أفغانستانوباكستان واليمن والدول الإسلامية الأخرى، ما قوّض شرعية الزعماء في هذه البلدان، الذين اتُّهموا بأنهم يتعاملون مع الولاياتالمتحدة لشنّ الحرب على شعبهم. وفي بداية الشهر، عرضت الولاياتالمتحدة تقديم مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لكلّ شخص يقدّم معلومات تؤدي إلى اعتقال حافظ سعيد، مؤسس «عسكر طيبة»، وهي مجموعة مناضلة باكستانية. ولا يزال حافظ سعيد، الذي يبدو رجلاً شجاعاً يسرح ويمرح في أنحاء باكستان ويلقي خطابات نارية معادية للأميركيين وللهنود. ولا يبدو أنه يواجه خطر اعتقاله. لا يزال الرأي العام الباكستاني غاضباً بسبب الهجوم الجوي الأميركي الذي شُنّ في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وأدى إلى مقتل 24 جندياً باكستانياً على الحدود. وأشار تقرير نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» من إسلام أباد هذا الشهر، إلى أنّ العلاقات الأميركية-الباكستانية وصلت إلى ادنى مستوى منذ عشر سنوات. وأضر عدد كبير من الأحداث المفاجئة بسمعة أميركا، كما دلّ على التدريب الضعيف الذي حصل عليه الجنود الأميركيون الشباب وعلى انحطاط أخلاقي. في شهر كانون الثاني، تمّ نشر شريط مصوّر ظهر فيه جنود أميركيون يبولون على جثث متمردين أفغان، وفي شهر شباط (فبراير) تسبّب حرق نسخ من القرآن عن غير قصد في قاعدة باغرام الجوية، بأعمال شغب واسعة النطاق. وفي شهر آذار (مارس)، قام جندي أميركي بقتل 17 مدنياً أفغانياً بما فيهم نساء وأطفال. وفي شهر نيسان (أبريل)، نشرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» صوراً (قيل إنها التقطت عام 2010) يظهر فيها جنود أميركيون من الفرقة 82 المحمولة جواً يلتقطون صوراً مع أشلاء لجثث متمردين أفغان. ويجدر بالولاياتالمتحدة أن تسأل نفسها عن سبب الكره الذي ولّدته في العالم الإسلامي وعمّا إذا كان يجب أن تحسّن سمعتها. قد تأخذ الاقتراحات التالية بالاعتبار. يجب وقف «الحرب على الإرهاب» ووقف قتل المسلمين ووضع حدّ لبناء المستوطنات الإسرائيلية والترويج لقيام دولة فلسطينية وتقليص الوجود العسكري الأميركي في دول الخليج ليقتصر على وجود بحري بعيد. يجب على الولاياتالمتحدة أن تسعى بنية حسنة للتوصّل إلى حلّ عادل مع إيران حول المسألة النووية. ويتعيّن عليها وقف حربها الاقتصادية ضد طهران مقابل تعهد إيران بوقف تخصيب اليورانيوم عند المستوى المسموح به بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وبدلاً من تحريض العرب ضد إيران وإذكاء النزاع السني-الشيعي، يجب أن تشجّع الولايات المتحدّة دول الخليج العربية على إدخال إيران في منظومة أمنية في المنطقة. تبدو واشنطن غير مدركة أنها بحاجة إلى مساعدة إيران في حال وجب إرساء السلام والاستقرار في العراق وأفغانستان. ومن غير المرجح أن تحصل على تعاون طهران في ظلّ «العقوبات المشلة» التي تفرضها عليها. ويعدّ ذلك أحد العناصر التي تميز السياسة الأميركية غير المتناسقة. * كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط