أُدرج السلام مع حركة «طالبان» على أجندة الرئيس باراك أوباما الحالية. فمن الواضح أنه عازم على إنهاء الحرب في افغانستان وعلى إخراج الولايات المتحدّة من نزاع دام عشر سنوات وكلّفها ثمناً باهظاً على الصعيدين البشري والمالي. وحتى بعد أن تمّ تخفيض عدد أفراد القوات الأميركية بنحو 100 ألف جندي، تكلّف العمليات في أفغانستان دافعي الضرائب الأميركيين 130 بليون دولار سنوياً، ناهيك عن الأموال الهائلة المطلوبة من أجل تعويم إدارة الرئيس حميد كرزاي. وتمّ أخيراً اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه الهدف الرامي إلى تحقيق السلام. فالتقى ممثلون من حركة «طالبان» مسؤولين أميركيين أخيراً في قطر، حيث فتحت حركة «طالبان» مكتباً لها. وفي هذه المرحلة الأولية، عمد المفاوضون إلى اختبار حسن نية بعضهم بعضاً. كما قيل إنه تمّت مناقشة إجراءات بناء الثقة مثل اطلاق سجناء «طالبان» المحتجزين في سجن غوانتانامو مقابل إطلاق سراح جندي أميركي اعتقلته الحركة. وتوجّه مارك غروسمان، المبعوث الخاص لادارة أوباما في افغانستانوباكستان إلى قطر في الأسبوع الماضي عقب زيارة قام بها إلى كابول. ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عنه قوله إنّ بدء محادثات السلام الحقيقية رهن بتخلي حركة «طالبان» عن الإرهاب الدولي (وهو يعني بذلك روابطها بتنظيم «القاعدة») وبموافقتها على الدخول في عملية سلام. غير أنه لم يأت على ذكر ما يمكن ان تقدمه الولاياتالمتحدة بهدف جلب حركة «طالبان» إلى الطاولة. وأعلنت حركة «طالبان» تكراراً أنها ستطالب بانسحاب كامل لكل القوى الأجنبية. كما أنها تنتظر على الأرجح الحصول على مكان لها في أي حكومة مستقبلية قد تتشكّل والاضطلاع بدور في كتابة دستور جديد ينصّ على نظام لا مركزي بغية السماح لقبائل الباشتون التي تعدّ المجموعة الإثنية الأكبر في أفغانستان، بالسيطرة على شؤونها الخاصة. وقيل إنّ الولاياتالمتحدة ترغب في الحفاظ على خمس قواعد في أفغانستان بعد عام 2014، إلا أنّ ذلك من شأنه الحؤول دون استكمال المحادثات. فقد تعارض حركة «طالبان» وباكستانوإيران هذا الأمر. وآخر ما ترغب فيه هاتان الدولتان المتجاورتان هو وجود عسكري أميركي في جوارهما. ومن غير المرجح أن تقوم إيران التي تتعرّض لعقوبات أميركية، بمساعدة الولايات المتحدّة على الخروج من المستنقع الأفغاني. وفي أفغانستانوباكستان، أدّت الهجمات الأميركية بالطائرات من دون طيّار إلى تأجيج المشاعر المناهضة للأميركيين. ومن المتوقع أن ترحل قوات حلف شمال الأطلسي عن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014 مع استقالة الرئيس كرزاي في نهاية ولايته الثانية. وقد تواجه الولايات المتحدّة وحلفاؤها صعوبة في إدارة أو تمويل المرحلة الانتقالية في أفغانستان بعد رحيل كرزاي. ويرغب الائتلاف في ضمان بقاء نظام موالٍ للغرب اذا أراد تبرير التضحيات الكبيرة التي تمّ تقديمها في الحرب. وفي إطار مؤتمر عقد في مدينة بون في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وافق الائتلاف على الاستمرار في تقديم المساعدة الاقتصادية إلى أفغانستان من عام 2015 لغاية عام 2024. وستتمّ مناقشة المبلغ المطلوب الذي يقدّر ببلايين الدولارات خلال قمة حول أفغانستان ستُعقد في مدينة شيكاغو في شهر أيار (مايو) المقبل. ويعتمد ذلك كلّه على طبيعة حكومة كابول وما إذا كان البلد في حالة سلام. وفي حال وقوع حرب أهلية بين الباشتون والطاجيك، الأمر الذي يعدّ احتمالاً قائماً، فقد يتمّ وقف تدفّق المساعدة الغربية. على أيّ حال، ترغب واشنطن في أن يتقاسم حلفاؤها العبء المالي. وقد دار حديث حول إمكان إشراك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول الخليج العربية الغنية بالنفط في ذلك. خطّطت الولايات المتحدّة لإنشاء جيش أفغاني من 350 ألف جندي بهدف تسلّم المهمات الأمنية حين تنسحب قوات حلف شمال الأطلسي. إلا أن تكلفة هذا الجيش الكبير قد تحول دون إنشائه نظراً إلى افتقار أفغانستان إلى الإمكانات المالية المطلوبة. ويجب أن تموّله القوى الأجنبية. والجدير ذكره أنه تمّ تقليص عدد أفراد الجيش الأفغاني الجديد الذي سيتمّ إنشاؤه ليضم 225 ألف جندي، علماً أن هذا العدد لا يزال يعدّ كبيراً. في هذا الوقت، أصبحت الحرب في أفغانستان مسألة ساخنة في الحملة الرئاسية الفرنسية. وفي 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، فتح رجل يرتدي زيّ الجيش الأفغاني النار على مجموعة من الجنود الفرنسيين غير المسلحين الذين كانوا يمارسون رياضة الركض في قاعدة غوان العسكرية الفرنسية. فقتل أربعة جنود فيما أصيب ثمانية آخرون بجروح بالغة. وعلّق الرئيس ساركوزي على الفور التدريب والمساعدة العسكرية التي كان يقدّمها إلى قوات الأمن الأفغانية ولمّح إلى إمكان سحب القوات الفرنسية باكراً. وبما أنّ الانتخابات ستجرى بعد أقلّ من ثلاثة أشهر، يبدو عازماً على تفادي وقوع ضحايا عسكريين. وأعلن فرانسوا هولاند، منافسه الاشتراكي، أنه في حال فوزه في الانتخابات في شهر نيسان (أبريل) المقبل، فسيسحب القوات الفرنسية قبل نهاية عام 2012. وفي الواقع، قد يحتاج الفرنسيون إلى 12 أو 18 شهراً لإعادة 3600 جندي إلى ديارهم مع ذخائرهم ومعدّاتهم بما فيها 500 دبابة ثقيلة و700 آلية أخرى. لا يمكن إبرام سلام في أفغانستان لا يأخذ مصالح باكستان في الاعتبار. فقد تكون باكستان في صدد إفشال أيّ حلّ أفغاني لا يرضيها. كما تبدو غاضبة من الولايات المتحدّة بسبب حادث وقع على الحدود في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين قتلت الولايات المتحدّة 24 جندياً باكستانياً. وفي معرض الثأر، أغلقت باكستان طريق إمدادات يمتد على طول 2300 كلم من مرفأ كاراتشي إلى كابول مروراً بممر خيبر الذي كانت تنقل عبره يومياً 400 شاحنة ربع الإمدادات للقوات الأميركية في أفغانستان. وتحصل مفاوضات محتدمة من أجل إعادة فتح هذا الممر. وفي حال نجحت المحادثات، فمن المرجّح أن تكون رسوم النقل أعلى من تلك التي كانت معتمدة في السابق. في هذا الوقت، لا تزال الشاحنات متوقفة عن العمل. كي يعمّ السلام في أفغانستان، يجب الإقرار بتطلعات القومية الباشتونية. وفي الوقت الحالي، يشعر الباشتون بأنهم منقسمون، لا سيّما أنّ خط دوراند الذي يمتد على طول 2640 كلم والذي رسم عام 1983 بين الهند ايام الاستعمار البريطاني وأمير أفغانستان يمرّ عبر مناطقهم القبلية. وثمة بين 12 إلى 15 مليون باشتوني على الجانب الأفغاني من الخط وضعفا هذا العدد في باكستان. وطالما كانت باكستان تخشى من أن يسعى الباشتون في أفغانستانوباكستان إلى التوحّد من أجل تشكيل «باشتونستان» كبرى قد تأخذ جزءاً كبيراً من أرض باكستان. لهذا السبب، سعت باكستان دائماً إلى قيام نظام ودود لها في كابول يكون تحت حمايتها من أجل قمع أي توجّه قومي لإنشاء وطن للباشتون. وساهم عدم اعتبار أفغانستان خط دوراند أنه حدود دولية في إبقاء مخاوف باكستان حية. من الواضح أنّ خط دوراند الذي تمّ تعديله ثلاث مرات بموجب معاهدات أبرمت عام 1905 و1919 و1921 بحاجة إلى أن يعاد التفكير فيه مجدداً بمشاركة زعماء القبائل الباشتونية في البلدين. ويجب أن يتمكن الباشتون من التحرك بحرية بين باكستانوأفغانستان من دون تهديد سلامة أراضي البلدين. لقد دعم الباشتون حركة «طالبان» وقدّموا الحماية لها لأن لديهم مطالب وطنية. وإن لم يعودوا بحاجة إلى الشبكات الإرهابية، فقد ينقلبون عليها. ورأى الخبير الفرنسي جورج لوفوفر في مقال نشرته صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011 إنّه يجب حلّ مسألة الحدود بين أفغانستانوباكستان قبل أن تتمّ المصالحة الوطنية في أفغانستان بين الباشتون في الجنوب والشرق وبين المجموعات الإثنية مثل الطاجيك والهزارى والأوزبك والتركمان في الشمال. * كاتب بريطاني مختص في قضايا الشرق الاوسط