غريب أمر هذه الشاشة الفضية السحرية. إنها قادرة على فعل العجائب. تنقل الصورة حية. تبث الخبر بينما يحدث. تكشف المستور من دون مواراة. تفضح الجهلاء من دون مجاملات. تضع نقاط الحقيقة على طلاسم الهراء. تعكس الفكر القائم وراء مرشحي الرئاسة والقائمين على حملاتهم بقصد أو من دونه، فتدفعهم صوب أعلى الهرم الانتخابي، أو تزج بهم في أسفله. الشيخ جمال صابر مسؤول حملة الدعاية للمرشح الرئاسي المستبعد والممسك بتلابيب المنصب الشيح حازم صلاح أبو إسماعيل، غزا القنوات المصرية، متحدثاً عن فضائل الشيخ وقيمه ومبادئه العليا ورؤيته الثاقبة لمستقبل مصر وحاضرها «الذي لن يستوي إلا بجلوس الشيخ على مقاليده». لكنّ ما حدث قبل أيام لم يكن في الحسبان. ويبدو أن صابر أمضى الكثير من الوقت واستثمر العظيم من الجهد ليستعد لحضور اللقاءات التلفزيونية المقبلة مسلحاً بخطة إستراتيجية خزعبلية هُيئ له أنها قادرة على أن تخرج الشيخ أبو إسماعيل من مأزقه وتمكنه من نيل المراد الرئاسي. وفي اليوم الموعود، توجه إلى البرنامج الحواري، وكتم أمر خطته «التي ستدحض الأوراق الرسمية وتخرس المستندات الفعلية طيلة الحلقة» حتى حانت اللحظة الفارقة وفجر قنبلته! فما أن أمسكت المذيعة بالمستندات الأميركية التي تؤكد أن والدة أبو إسماعيل تقدمت للحصول على الجنسية، وأوضحت له ولملايين المشاهدين أن استنكاره لحروف A US واعتباره إياها خطأ لغوياً يكشف المؤامرة، لأن الولاياتالمتحدة تكتب بالإنكليزية USA، وشرحت له أن حرف «A» يعني «ال» بالعربية، حتى هاج صابر وماج، وسارع بتفجير القنبلة صارخاً بأن لديه مستندات تؤكد أن المذيعة يهودية! وعلى رغم أنه ثبت بالحجة والبرهان أن قنبلة الشيخ انفجرت في وجهه وباءت خطته الدفاعية الهجومية بفشل ذريع، مؤلبة عليه وعلى أنصار أبو إسماعيل، وأبو إسماعيل نفسه، مقداراً هائلاً من الانتقاد والسخرية، لكن شخصاً واحداً فقط رأى في الخطة ذكاءً فذاً وحنكةً مذهلةً ودهاءً جباراً. هذا الشخص هو الشيخ جمال صابر نفسه، الذي لملم أشلاء قنبلته المبعثرة في الأستوديو، وعاود الظهور بها بعد يوم واحد فقط في استوديو آخر على الهواء مباشرة، حيث أدى الدور نفسه مكرراً سيناريو «أنت يهودية» على الهواء مباشرة من دون تنويع أو تجديد أو حتى تعديل، ما أدى إلى طرده على الهواء مباشرة أيضاً! أغلب الظن أن الشيخ جمال صابر أراد أن يثبت أن في إمكان الجميع توجيه التهم جزافاً، لكن رغبته تلك اعترتها مشكلات، أولها أنه لم يتدرب على الدور جيداً قبل العرض، فجاء مصطنعاً يفتقد الحنكة. كما أنه لم ينجح في التحكم في تعبيراته الجسدية التي اعتراها الغضب الشديد لدى مواجهته بحقيقة جنسية والدة أبو إسماعيل. وبلغ المشهد ذروة فشله بمواجهته بافتقاره مبادئ اللغة الإنكليزية وعدم معرفته بأن حرف «A» هو «ال»! أما السقطة الكبرى للشيخ الجليل الذي يدير قناة فضائية دينية، فكانت اعتباره الديانة السماوية اليهودية شتيمة وتهمة! الأكيد أن أداء جمال صابر التلفزيوني أصاب حملة أبو إسماعيل في مقتل.