حذّر الأكاديمي السعودي راشد المبارك من تفشي ظاهرة الغفلة وغفوة العقل البشري، من أن يستفسر ويسأل ويتأمل، خصوصاً مع تفشي عبارات كثيرة بعضها أدعية دينية يتم ترديدها حتى من بعض العلماء، من دون تأمل بمعانيها مثل الكلمات التي تقال عادة عند العزاء ك«خاتمة الأحزان إن شاء الله» و«لا أراكم الله مكروهاً بعده» إذ بدل أن يكون الدعاء لأجل المتوفى يجيء الدعاء عليه. واستعرض المبارك، في بداية محاضرة قدمها في مركز حمد الجاسر الثقافي صباح الخميس الماضي حول كتابه «شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة» الفائز بجائزة وزارة الثقافة والإعلام، أمثلة أخرى لغياب العقل وغفوته، التي تحمل وجهاً آخر يحمل هجاء للأمة أكثر من إشادة بالصحابيين الجليلين، كما لفت إلى ضرورة تأمل خطب الجمعة التي ألقاها النبي محمد صلى الله عليه وسلم طوال دعوته في المدينة ودرسها كذلك. وفي بداية المحاضرة، أشار المبارك إلى أن كتابه لم يأت مقدمة للبحث في الفلسفة وحسب، وإنما جاء نتيجة لهذه الغفلة، إذ ليس من طبيعتنا البحث والتعمق في الأمور، مؤكداً أنه على رغم أنها ظاهرة عالمية «إلا أن حظنا نحن العرب منها غير منقوص، كما أن الفلاسفة لم يكن حظهم أقل من الآخرين فهم يجيدون عملاً نقيض ما يدعون إليه»، قبل أن يوضح أن الفلسفة مطلب مهم، «لكن المنتسبين لها عملوا بعكسها، فالجاهل إنما يستيقظ فيما العالم يشك، وأكثر من يستيقظ هم الفلاسفة فما أن يقع أحدهم على فكرة حتى تكون لديه الحقيقة التي لا خطأ فيها». واستعرض نماذج من «تهافت الفلاسفة» مركزاً على أعلى الفلسفات شأناً وهي الفلسفة اليونانية، بدءاً من طاليس ومن تلاه مثل أفلاطون، «الذي جاء ليقرر أن ما وصل إليه هو الحقيقة، معتمداً على نظرية المثل والتذكر لرصد المعرفة والحقيقة». وكذلك أرسطو «الذي وإن سخر من أفلاطون وخالف نظريته، إلا أنه وافقه في نظريات الفيزياء والكون الأخرى». وتوقف المبارك عند سقراط وعده أبو الفلسفة الحقيقي، إذ جاء سائلاً ومغربلاً لما ساد من قبله من آراء، قبل أن ينتقل لمن سمي بأبي الفلسفة الحديثة «ديكارت» الذي على رغم أنه أسهم في إعادة بناء المعرفة وفق نظم جديدة، إلا أنه لم ينجح وفشل فشلاً ذريعاً في نظرية الشك في كتابيه «مقالة المنهج» و«التأملات»، إذ قال في نص مغرور ان الله خلق الأشياء وأنا من يفسرها لكم. في المداخلات، التي أشادت بكتاب المبارك، تساءل البعض عن العلاقة بين الشريعة والفلسفة، فرد المبارك بإجابات مختصرة قال فيها: «إن الفلسفة علم وهي تشمل كل البشر، والمسلمون يشكلون نسبة من هؤلاء البشر، وهي ليست مختصة بأحد». وبين أن موقف الإسلام من الفلسفة ليس موقف مصافاة وإنما مجافاة، فلم تكن الشريعة في حرب شرسة مع الفلسفة، وإنما أخف ما يقال انهما كانتا في مرحلة جفاء، مستعرضاً المواقف التي تعرض لها بعض العلماء المسلمين الفلاسفة، مثل الفارابي وابن سينا والحسن بن الهيثم وجابر بن حيان.