نائب أمير الشرقية يستقبل مدير جوازات المنطقة بمناسبة تعيينه    اعتقالات وحواجز أمنية وتفجيرات.. جرائم إسرائيل تتصاعد في «جنين»    الجبير يلتقي عددا من الشخصيات على هامش منتدى دافوس الاقتصادي    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    إحباط تهريب 352275 قرصاً من مادة الإمفيتامين المخدر في تبوك    «روشن» شريك استراتيجي للنسخة الرابعة لمنتدى مستقبل العقار 2025    محافظ الخرج يستقبل مدير مكافحة المخدرات    أنغولا تعلن 32 حالة وفاة بسبب الكوليرا    تكريم 850 طالبًا وطالبة بتعليم الطائف    أمير الشرقية يكرم الداعمين لسباق الشرقية الدولي السادس والعشرين للجري    توقيع شراكة بين جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وجمعية هجر الفلكية    جامعة حائل تستضيف بطولة ألعاب القوى للجامعات    الشيباني: الأكراد تعرضوا للظلم وحان بناء دولة المساواة بين السوريين    500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة    إلى رقم 47 استمتع بها.. ترامب يكشف عن رسالة بايدن «الملهمة    صندوق الاستثمارات العامة وشركة "علم" يوقّعان اتفاقية لاستحواذ "علم" على شركة "ثقة"    فرصة هطول أمطار رعدية على عدة مناطق    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2748.58 دولارًا للأوقية    كعب «العميد» عالٍ على «الليث»    الاتحاد والشباب.. «كلاسيكو نار»    وفاة مريضة.. نسي الأطباء ضمادة في بطنها    انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    وزير الخارجية من دافوس: علينا تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة    محافظ الخرج يزور مهرجان المحافظة الأول للتمور والقهوة السعودية    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    تأسيس مجلس أعمال سعودي فلسطيني    أبواب السلام    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    «موسم العرمة» .. طبيعة ساحرة وتجربة استثنائية    تعديل قراري متطلبات المسافات الآمنة حول محطات الغاز.. مجلس الوزراء: الموافقة على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري بالمملكة    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان الرئيس التركي في ضحايا حريق «منتجع بولو»    حماية البيئة مسؤولية مشتركة    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    حفل Joy Awards لا يقدمه إلا الكبار    بيع المواشي الحية بالأوزان    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    بيتٍ قديمٍ وباب مبلي وذايب    تأملات عن بابل الجديدة    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    سعود بن نايف يكرم سفراء التفوق    سمو محافظ الخرج يرأس اجتماع المجلس المحلي    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راشد المبارك ... شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2011

هناك أنواع من المؤلفات والكتب تقرأ بعضها للاستمتاع وبعضها للمعرفة، وبعضها لتجد جديداً. وهنا كتاب أو مؤلف تقرأه لغير تلك الحالات المشار إليها آنفاً، وهذا النوع الأخير من الكتب هو ما يثير الاستشكال ويدفع إلى الجدل ويعصف بذهن القارئ ويثيره في أكثر من موقف.
وكذلك المؤلفون والمشتغلون في الفكر الإنساني لهم هذه الصفة. والأستاذ الدكتور راشد المبارك من هذه الشاكلة من المؤلفين الذي يثيرك ويعجبك ويزعجك أيضاً، وأنت تقرأ له فلا يريح القارئ بمقدار ما يثيره ويعصف بذهنه ويمتحن ذكاءه، قرأت له في الأدب شيئاً مثيراً، وقرأته له في الاجتماع والشؤون العامة ما يجعلك في جدل حي فياض لما يذهب إليه، فكانت تلك سمة ما يطرح للناس من آراء وما يبدي من مقولات، وبين يدي الآن كتاب من نوع آخر أكثر إثارة وأكثر تحفيزاً للعقل ومجادلة فيه وعنه وله، هو كتاب الدكتور راشد الجديد ولا أقول الأخير «شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة»، يثيرك عنوانه قبل أن تقرأه، ويزعجك بتوقع ما يريد وما يعني ويرغمك حتى يعصف بذهنك أكثر من سؤال واستشكال أو اعتراض أو حتى حكماً مسبقاً بالرفض المطلق عندما تقع عيناك على عنوان غير عادي هو «شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة»، وهو عنوان مثير بحد ذاته لأول وهلة، فالفلسفة عمل بشري اختص به الفلاسفة والمفكرون وهو إنتاج عقول هؤلاء وليس بخارج عنهم فكيف تشمخ الفلسفة ويتهافت مبدعو هذا الشموخ.
والمؤلف ليس من النوع الذي قد يغفل أو تغريه طرافة العنوان أو جدته، فيتجاهل مضمونه وما يوحي إليه، ولهذا احتطت للأمر وانشغلت بالعنوان قبل أن أصل إلى المضمون ولأن الأمر ليس مما يغيب عن بال المؤلف، طرحت على نفسي بعض الأسئلة حوله، ولماذا جاء العنوان بهذه الصفة التي تثير الجدل. ومنذ فتحت الصفحة التي تلي العنوان وجدت الإجابة، وهو جواب غير مسلم به، لأن تعمد المؤلف لهذا العنوان لا يخلو من جدل، ولاسيما اتكاءه على عنوان تاريخي منذ ابن رشد والغزالي وهما منهما في مفهوم الفلسفة ومدارك الفلاسفة.
وإذا كان شطر العنوان الأخير قد مضى القول به من بعض السابقين (تهافت الفلاسفة)، فإن صدره أحدث مفارقة في الرؤية، وأضاف ما لم يجرؤ على ذكره من سبقه، فالتهافت متفق عليه، والشموخ إضافة فلسفية جديدة ترتقي بشأن المخلوق «الفلسفة» فوق شأن الخالق «الفلاسفة»، ولا أظن راشداً يلعب بالألفاظ، ولكنه يستبطن رؤية في إضمار المعنى لعله قد يجادلها المنطق، ولكنه لا يلغيها ولا يستطيع أن يثبت خطأ المراد، وشرح المؤلف ما يريد من هذا العنوان، واحتاط بشرحه وتوقع ما توقعته عند القارئ فحاول الإجابة قبل السؤال، وقبل العنوان وضع بيتاً لشاعر معاصر صديق للمؤلف هو الأستاذ الشاعر الكبير سليمان العيسى الذي يصف ذلك ويقول: «فإذا الفكر شموخ وإذا صانعه لم يجدوا أي شيء».
لنتجاوز هذا العنوان المربك ولندلف إلى ما يريد المؤلف وما يدافع عنه من «فلسفة شامخة وفلاسفة متهافتون» يبدأ المؤلف بحثه في مقدمه ضافية عن الفلسفة ورؤية الفلاسفة ويجعل أفلاطون أول هؤلاء 427 قبل الميلاد ويتبعه بأرسطو وينهي كتابه بآخرهم شوبنهاور 1788.
في هذا الزمن الطويل الممتد إلى أكثر من ألفي عام تناول الكتاب تاريخ الفلسفة وآراء الفلاسفة ومقولاتهم التي وصفها بالمتهافتة، بينما تكون الفلسفة ذاتها كياناً شامخاً لم يستطع هؤلاء الفلاسفة ترويضها لأطروحاتهم ولهذا كان العنوان الأبرز هو شموخ الفلسفة وعجز الفلاسفة عن مجارات هذا الشموخ.
كان جهد المؤلف هو بيان التناقض بين ما يدعيه هؤلاء وبين مفهوم الفلسفة ومدركاتها وقد وقف كثيراً عندما يعتمد عليه الفلاسفة من تقريرية وموثوقية والإخلاد إلى ذلك، وقد اختار المؤلف ستة من أشهر أعلام الفلاسفة لمحاورة آرائهم ومناقشة نظرياتهم بدءاً بأفلاطون وانتهاء بشوبنهاور. واستعمل المؤلف صوراً من النقض والتزييف لبعض ما يذهب إليه الفلاسفة فعارضهم بحجج ترتكز على الجدل المنطقي، ولا سيما فيما يتعلق بالموثوقية المطلقة التي يتزعمها الفلاسفة لما يذهبون إليه وهو أمر أزعج المؤلف وكان وكده في المحاججة هو زحزحت هذه الموثوقية عندهم واعتراضه على تقريرهم التي يجد نفسه مخاصماً لها غير مستقر على شيء منها يقول عن ذلك: «العامل الجامع المشترك بينهم هذه الحالة هي ظاهرة التقرير والوثوق بما يصلون إليه من آراء أو تصورات».
ثم بعد ذلك يتناول المؤلف آراء الفيلسوف ويشرحها ويعرض نصوصاً منها تم ينتهي إلى خلاصة رأيه هو بما لدى هذا الفيلسوف من هنات يجدها مناسبة للجدل والاعتراض والتصحيح. ولا باس أن أنقل للقارئ شيئاً مما جاء في عرضه ومناقشته وليكن مع آراء أرسطو وأطروحاته حين يشير الدكتور راشد إليه إلى آرائه فيعقب بقوله «ما تقدم من آراء أرسطو تستدعي العقل، بل وتوجب عليه وقفة تأمل ومحاسبة لذاته والتأمل في ذاته والتساؤل هل العقل طائر يحلق أحياناً إلى أعلى الذرى وتخونه جناحاه فينزل إلى أدنى السفوح؟... كيف يوفق العقل بين قدرته على اكتشاف أدق أسرار المادة وكثير من سنن الكون في الأحياء والمورثوات، بينما نراه يتطامن أو يضعف إلى درجة قبول أو تبني، بل والدفاع عن أكثر الأشياء احتواء على الخرافة وما يتناقض مع مسلمات العقل وشروطه أليست كل المذاهب والمعتقدات والمسلمات والأفكار، بما فيها من خطأ أو صواب وما تنطوي عليه من حقيقة أو خرافة يدافع عنها أصحابها دفاعاً عقلياً يستنجدون لإثبات صحتها ويستدلون على سلامتها ويدافعون عما بها من هدى أو ضلال بالعقل نفسه ومستعينين به.
«هل العقل شاهد زور» هذا منطلق لجدل المؤلف فيما يعرض الفلاسفة وسؤاله قائم (هل العقل شاهد زور؟) وعنده أن العقل مهما بلغ من السمو والترقي هو شاهد زور في نهاية المطاف لعجزه عن الكمال الذي يدعيه كل فيلسوف ومفكر وكأن المؤلف يتكئ على قول أبي الطيب «كدعواك كل يدعي صحة العقل ومن الذي يدري بما فيه من جهل».
ولا شك أن الكتاب يحمل جدلاً فكرياً ممتعاً مع الفلسفة والفلاسفة وضدهم وكعادة المؤلف يحكم الجدل بمنطق عقلي يواجه به عقولاً وآراء.
لكن ما يلفت النظر ويستحق الوقوف عنده طويلاً هو ما عرض له من أن الفلاسفة الأولين، ولا سيما القدامى منهم خاصة لم يذكروا شيئاً عن اليهودية ولم ترد فيما عرضوا له من جدل حول الكون والحياة والأديان والمعتقدات وهو أمر يستحق الوقوف عنده كثيراً يقول المؤلف: «وفي هذا الجانب يستوقف الباحث ظاهرة في منتهى الغرابة وهي مما يصعب تعليله أو تحليله وأغرب من ذلك أن أحداً من الباحثين لم تستوقفه هذه الظاهرة فيما يعلم الكاتب – هذه الظاهرة هي عدم تأثر الفلسفة والمعتقدات الإغريقية بالديانتين الحنفية واليهودية وأكثر من ذالك عدم وجود أي إشارة إلى أي من هاتين الديانتين وما فيهما من تصور عن الكون والحياة فيما كتبه الفلاسفة اليونانيون»( ص35).
إن هذه لا يمكن أن تكون إشارة عابرة وهل يعقل أن لا يتحدث فلاسفة الإغريق ومفكروها عن أهم حدث في منطقة يعيشون فيها ويتحدثون عن الحياة والآلهة والأنظمة البشرية، أليس من المثير ألا يقف الإغريق على شيء من الديانة اليهودية وهم الذين يتحدثون عن العالم القديم القريب منهم والبعيد عنهم، كما بحثوا في اللاهوت واختلفوا في صفات الإله والكون وخالقه وشؤون الحياة المعاصرة لهم والسابقة عليهم، إن هذه النقطة لا يمكن أن تمر الدراسة عليها من دون وقفه متأنية من هذا الموضوع والبحث عن أسباب الإغفال لأهم ما يمكن أن يشير إليه الإغريق وهي الديانة اليهودية. لقد أشار المؤلف إلى ذالك في أول الكتاب وفي صفحة مفردة ثم عاد إليه في آخر الكتاب ولم يزد على فقرة واحدة، وهو يستعرض في الخاتمة ما توصل إليه بسياحة فكرية ممتعة مع الفلسفة والفلاسفة، وليس هناك احتمال لهذا الإغفال والتجاهل إلا شيئين اثنين لا ثالث لهما احتمال أنها لا توجد الديانة اليهودية أو لا توجد الفلسفة اليونانية، وليس من الممكن كما أشار المؤلف أن يعيش الإغريق في منطقة سبقتهم إليها اليهودية بسبعمائة عام ثم لا يذكرونها ولا يتحدثون عنها ولا تكون بعض جدلهم.
لو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذه المعلومة الغريبة لاستحق الكتاب، وما جاء فيه وقفة طويلة وقراءة متأنية، تهتم وتناقش هذه الواقعة وتبحث عن تحقيق ما حدث ودراسة ما يمكن أن يكون قد حال دون ذكر هذه الديانة. واستشكال المؤلف لهذا الأمر يحتاج إلى قراءات للتاريخ القديم بكل صوره وأبعاده. بقي أن كتاب «شموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة» عمل غير مسبوق ببنائه المعرفي وحواره الفلسفي وبعده الفكري الذي لا يمكن أن تعتبر عنه قراءة في صحيفة سيارة، وإنما ذلك إماءات سريعة وتعريف مختصر لما تحمله صفحات الكتاب من شحنات عقلية مثقلة برؤية الفلاسفة للعالم والوجود، وقراءات مناكفة محتجة على لغة الفلاسفة ومضامينها بمثلها لغة وفلسفة وجدل كله يروض العقل ويثيره بالأسئلة والمحاججة وكان المؤلف يحاول تأصيل العمل بالعنوان الجديد شموخ الفلسفة فيعرضه بما يعبر عن الشموخ وما يتطلبه الجدل الفكري وسفسطات الفلاسفة وتهويماتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.