وجّه الاتحاد الأوروبي ضربة جديدة الى روسيا تتمثل في تشديد العقوبات عليها، لدورها في الأزمة الأوكرانية. لكن ربما يكون للإجراءات الجديدة مفعول عكسي على الاقتصاد الأوروبي، خصوصاً أن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي. إذ وافق الاتحاد أمس على فرض حظر سفر وتجميد أصول أربعة رجال أعمال روس مقربين من الرئيس بوتين، وعلى أربع شركات. واتخذ القرار خلال اجتماع لسفراء الدول الأعضاء في بروكسيل، حيث سيُصادق لاحقاً على عقوبات اقتصادية أوسع نطاقاً ضد موسكو. ولم يستبعد ديبلوماسي أوروبي «خطر الرد الروسي»، مذكّراً بأن موسكو «استخدمت مراراً الحظر على التجارة للضغط على دول شيوعية سابقة». وأعلنت روسيا فعلياً أول من أمس حظراً على استيراد الفاكهة المعالَجة والخضر من أوكرانيا، محذّرة من «خطوات مشابهة» ضد الاتحاد الأوروبي. وعدّل صندوق النقد الأسبوع الماضي توقعاته للنمو العالمي لهذه السنة خفضاً من 3.7 في المئة إلى 3.4 في المئة، لأسباب كثيرة منها الأزمة الأوكرانية. ونبّه إلى احتمال أن «تتضرّر أوروبا من العقوبات ضد روسيا»، مفترضاً أن «تكون لها تداعيات خصوصاً على دول المنطقة التي تقيم علاقات تجارية «نشيطة جداً ومباشرة جداً» مع روسيا. ويُذكر أن التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بلغت 336 بليون يورو (451 بليون دولار) عام 2013، حتى أن روسيا سجلت فائضاً تجارياً بلغ نحو 87 بليون يورو. ولدى بعض دول الاتحاد الأساسية، مثل إيطاليا وألمانيا علاقات اقتصادية واسعة مع موسكو. كما تعتمد دول الاتحاد السوفياتي سابقاً في شكل أساس على الغاز الروسي، فيما يعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا لتأمين ثلث حاجاته. ومنذ بدء الأزمة الأوكرانية بدا الاتحاد الأوروبي متردداً في فرض العقوبات على روسيا، خوفاً من أن يضر ذلك بالعلاقات التجارية والاقتصادية المهمة. لكن حادثة الطائرة الماليزية التي يُشتبه بأن الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا أسقطوها بصاروخ روسي الصنع، غيّرت الوقائع بالنسبة إلى أوروبا. وكان الاتحاد فرض عقوبات جديدة السبت الماضي، ضمن ما يُطلق عليه «المرحلة الثانية» على رؤساء أجهزة الاستخبارات الروسية ومسؤولين كبار في مجلس الأمن القومي الروسي لتورطهم في الأزمة الأوكرانية. وتضم اللائحة 15 شخصية و18 كياناً، يستهدفهم تجميد ممتلكات وحظر سفر. وتستهدف العقوبات أربعة قطاعات أساسية، الدخول إلى الأسواق المالية والدفاع والطاقة، إضافة إلى السلع ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني. وستكون هذه العقوبات موجعة بحق روسيا التي تعاني انكماشاً اقتصادياً مع ازدياد التوتر في الأزمة الأوكرانية، الذي أضرّ بالنمو الاقتصادي وأدى إلى هرب المستثمرين. ومن شأن القيود على الوصول إلى الأسواق المالية الأوروبية تحديداً لندن، أن تصعب قدرة المصارف الحكومية الروسية على إيجاد رؤوس أموال جديدة. كما ستزيد الضغوط على الاقتصاد عموماً، وعلى سبيل المثال تُقدر سوق السلع ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني بنحو 20 بليون يورو سنوياً. وقدّر رئيس المجلس الأوروبي هرمان فان رومبوي، أن «توجِد هذه الرزمة الجديدة التوازن الصحيح»، لافتاً إلى أن قرار العقوبات «سيكون له نتائج كبيرة على الاقتصاد الروسي وسيؤثر باعتدال على الاقتصادات الأوروبية». ووفق موقع «إي يو أوبسورفر» الخاص بشؤون الاتحاد الأوروبي، «ستحرم عقوبات العام الحالي الاتحاد الأوروبي من 40 بليون يورو من مردوده السنوي أي نحو 0.3 في المئة، وقد ترتفع النسبة إلى 0.4 في المئة ما يساوي 50 بليون يورو عام 2015. ويُرجّح أن يكون تأثير العقوبات أشد على روسيا لتدخلها في انكماش اقتصادي أعمق، وتخسر 1.5 و4.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، استناداً إلى الموقع ذاته. وشدد ديبلوماسي أوروبي على ضرورة «التعامل مع هذه الأرقام بحذر شديد، خصوصاً في ما يتعلق بتأثير العقوبات على صادرات الطاقة». ولو كانت أرقام الاتحاد الأوروبي أقل، فهي تبقى خطيرة جداً ومن شأنها التأثير على الاقتصاد الأوروبي الهش أصلاً، ومحاولته التعافي من أزمة منطقة اليورو. ونما اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.3 في المئة في الربع الأول من العام الحالي، فيما يبدو تعافيه كلياً يترنح على وقع الأزمة الأوكرانية. وأوضح يدبلوماسي أوروبي، أن «دولاً أعضاء كثيرة (في الاتحاد الأوروبي) ليست في حال جيدة». وأعلن ديبلوماسي آخر أن «كل الدول الأعضاء تدرك أن اقتصاداتها ستتأثر، لذا فهي تنازع كي يكون الوجع موزعاً على الجميع».