بدأ يتردد في الوسط السياسي أن النظام في سورية أبلغ حلفاءه اللبنانيين بأن فترة السماح انتهت وأنه لم يعد من مبرر للتساهل في إدارة شؤون البلد في لبنان باعتبار أن الظروف السياسية التي أملت على رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي تدوير الزوايا في شأن تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وتجديد بروتوكول التعاون معها لم تعد قائمة، وبالتالي لا بد من تجاوز حال الانقسام التي تعاني منها الحكومة، ما يتطلب التشدد في مقاربتها للنقاط التي ما زالت عالقة من دون حلول أو للأخرى المختلف عليها. وبكلام آخر، يقول عدد من حلفاء النظام السوري الذين يترددون بانتظام الى دمشق إن الأخيرة قررت من الآن وصاعداً أن «تضرب بيدها على الطاولة باعتبار أنه لم يعد من مجال للمساومة من أجل مراعاة المعارضة وتجنب الدخول معها في مجابهة سياسية على خلفية الاختلاف في التصدي للنقاط التي ما زالت من دون حلول وأخذت تعيق الحكومة وتمنعها من اتخاذ القرارات الحاسمة». ويؤكد حلفاء النظام السوري أن دمشق أوشكت على الانتقال من موقع الدفاع الى الهجوم بعد أن تجاوزت خطر سقوط النظام أمام المعارضة في سورية وهي تحاول الآن أن تستعيد زمام المبادرة في وضع حد لاستمرار استنزاف هذا النظام لقطع الطريق على من يراهن على أن الوضع سيتحول مع الوقت الى جرح مفتوح غير قابل للمعالجة. ويستبعد هؤلاء أن ينطوي انتقال النظام السوري من موقع الدفاع الى الهجوم على صدور أمر عمليات يتعلق بالساحة اللبنانية في اتجاه القيام بخطوات يمكن أن ترتد سلباً على الاستقرار العام في البلد. كما انهم يرفضون التعامل مع تفاؤل النظام السوري على أنه مبالغ فيه ولا يعكس حقيقة واقع الحال داخل سورية بسبب عدم قدرته على حسم الموقف لمصلحته، مشيرين الى أن النظام لم يعد يتخوف من تعرضه لتطورات دراماتيكية في الداخل لا يمانع تحت تأثيرها في استيراد الأزمة في سورية الى الداخل اللبناني. ويتابع هؤلاء: «النظام في سورية أخذ يستعيد عافيته بدليل أن المبادرة الدولية - العربية التي يقوم بها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان لا تحمل أي دعوة لتنحي الرئيس بشار الأسد، إضافة الى معاودة التواصل بين الإدارة الأميركية ورموز في النظام السوري». لكن زوار دمشق يرفضون الدخول في التفاصيل المتعلقة بطبيعة التواصل بين واشنطنودمشق ولا يؤيدون في المقابل أن ما يقال على هذا الصعيد يأتي في سياق الجهد المبذول من أهل النظام في سورية بغية رفع معنوياته في وجه الحملة العربية والدولية التي تستهدفه والتي تشكك في قدرة أنان على تسويق مبادرته. يضاف الى ذلك، أن الزوار أنفسهم يتعاطون مع مبادرة أطراف حليفة للنظام السوري الى توجيه تهديدات مبطنة للمعارضة في لبنان، على أنها ليست أبعد من كلام يقال في المنابر الخطابية أو في المناسبات المخصصة للتضامن مع النظام. إلا أن السؤال يكمن في كيف يُترجم لبنانياً التوجه الرسمي السوري للانتقال من الدفاع الى الهجوم؟ وهل نجحت الحكومة في أن تتجاوز المتاريس التي ما زالت قائمة بين «أهل البيت» قبل الحديث عن علاقة الأخير بقوى المعارضة؟ المنافسة المارونية وفي هذا السياق لا بد من الإشارة، نقلاً عن أحد الوزراء النافذين في الحكومة ممن يتحركون لتبديد أجواء الاحتقان بين مكوناتها الرئيسة لئلا يتحول الى اشتباك سياسي يصعب على «وسطاء الخير» تفكيكه أو التغلب عليه، الى أن التفاؤل بتحريك عجلة التعيينات في الإدارات العامة على نطاق واسع في محله طالما أن المشكلة باقية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وأن الجهود التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي في هذا الميدان وصلت الى طريق مسدود. ويضيف الوزير نفسه أن «أساس الاختلاف بين سلمان وعون يكمن في المنافسة على الزعامة المارونية»، وأن الأخير «يتصرف على أنه رئيس البلاد غير المنتخب»، وأن مجلس الوزراء «يجب أن يوضع بتصرفه مستفيداً من دعم «حزب الله» له ومن نصيحة النظام في سورية بعدم إزعاجه مهما كلف الأمر». ويؤكد وزير آخر أن عون «يتطلع الى التعيينات الإدارية من زاوية تنصيب نفسه على أنه الماروني الأول بلا منازع وأنه لا يزال يراهن على قدرته على احتكار التعيينات المسيحية لتوظيفها في معركته الانتخابية ضد خصومه». ويسأل الوزير: «كيف يوفق عون في مطالبته رئيس الجمهورية بأن يستعيد صلاحياته التي أخذت منه بموجب اتفاق الطائف وبين إصراره على تهميش موقع رئاسة الجمهورية باعتبارها حكماً لا يحق لها أن تكون فاعلة في ملف التعيينات؟». ويضيف: «المشكلة ليست في تردد ميقاتي الذي يؤخذ عليه من بعض شركائه في الحكومة أنه لا يبادر لإخراج حكومته من الجمود وإنما في أن هذا البعض يزج به حيناً في الاختلاف المتمادي بين الموارنة داخل السلطة وحيناً آخر في التنافس الحاصل بين قوتين فاعلتين من طائفة أخرى تحاول كل منهما أن تنال حصة الأسد في التعيينات وتريد منه الوقوف الى جانبها». لكن من يستمع الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مجالسه الخاصة، يستنتج من كلامه أنه لن يتوقف عن تعداد مآخذه على الحكومة تارة بسبب عدم حسم أمرها وأخرى نتيجة قلة إنتاجيتها و «بلادتها» لجهة تحريك عجلة الدولة. وينقل الزوار عن بري قوله: «صحيح أن هناك مشكلة تؤجل إصدار دفعات من التعيينات الإدارية وأن أسبابها معروفة، لكن يجب على رئيس الحكومة أن يتخذ القرار بدلاً من تدوير الزوايا لأنه لا يرغب في إغضاب هذا أو ذاك». ويتابع بري، وفق الزوار، أن هناك آلية للتعيينات «يجب علينا أن نأخذ بها ومن يغضب عليه أن يتحمل مسؤوليته لأنه لم يعد من مبرر للمراوحة التي أوقعت الحكومة نفسها فيها، إضافة الى أن هناك صعوبة في إرضاء الجميع في آن واحد، وبالتالي لا بد من التقيد بهذه الآلية وإلا ستبقى الدولة في مكانها تراوح». ويؤكد أن المشكلة ليست محصورة بين الأكثرية والمعارضة «وإنما بين مكونات الحكومة، وهذا يستدعي الخروج من حالة التردد». ويرى بري أنه آن الأوان لإقرار مشروع قانون الانتخاب الجديد وأن موقفه من القانون واضح وينطلق من جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس اعتماد النظام النسبي أو تقسيمه الى دوائر انتخابية كبرى انطلاقاً من النسبية «على أن نتعاون جميعاً لتبديد هواجس ومخاوف هذا الطرف أو ذاك». إلا أن موقف بري من قانون الانتخاب لا يعني أبداً أنه مع الدخول في مواجهة كسر عظم مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، إضافة الى أنه يعتقد بضرورة توفير الضمانات لتبديد هواجسه. ويؤكد مصدر مقرب من بري أن مجلس الوزراء قد يقر مشروع القانون الرامي الى اعتماد النسبية مع أن معارضة جنبلاط له ستقطع الطريق على إمكانية تبنيه من جانب الهيئة العامة في البرلمان، مشيراً الى أن قانون الانتخاب ليس قانوناً عادياً «وهذا يعني أنه لا بد من مراعاة الميثاقية والتوافقية في إقراره لأنه لا يمكننا التفاهم على قانون حتى لو أيّدته الغالبية في البرلمان طالما أنه يلقى اعتراضاً من جنبلاط وأيضاً من «تيار المستقبل». أما في شأن جلسة المناقشة العامة المقررة في الأسبوع المقبل من 17 الجاري الى 19 منه، فإن المصدر عينه يقول إن بري دعا الى هذه الجلسة لأنه يفصل بين موقفه السياسي وبين موقعه على رأس السلطة التشريعية. ويضيف: «بري اتبع الأصول في دعوته البرلمان الى جلسة مناقشة عامة، مع أنها لن تكون لها تداعيات على الوضع السياسي ككل طالما أن الحكومة باقية وهذا ما عبّر عنه جنبلاط أخيراً بقوله إن الاختلاف في الموقف من الأزمة في سورية لن يعني أنني في وارد تغيير تحالفاتي الداخلية». ويتابع المصدر: «بري يعتقد بأن الجلسة ضرورية لعلها تضغط على الحكومة في اتجاه إعادة ترميم صفوفها لتبدأ مرحلة جديدة من الإنتاجية بدلاً من التردد، لكنها لن تبدل من المشهد السياسي في غياب أي نية لطرح الثقة في أي وزير طالما أن جنبلاط ليس مستعداً للخروج منها، وبالتالي فإن طرح الثقة سيقوي هذا الوزير على رغم ما سيوجه إليه من انتقادات وذلك لغياب القدرة على سحب الثقة منه».