يسعى رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري من خلال ترؤسه اليوم الاجتماع المشترك لهيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان النيابية ومقرريها، الى إيجاد مخرج للخلاف على قوننة الإنفاق الحكومي السابق والحالي يهيئ المناخ الإيجابي للجلسة النيابية التشريعية في الخامس من الشهر المقبل، بعدما بادر الى تأجيل الجلسة السابقة لتفادي إقحام البرلمان في اشتباك سياسي جديد لن يكون بين الأكثرية والمعارضة بمقدار ما سينتج مشهداً سياسياً يعيد خلط الأوراق، لأن الأكثرية ستجد نفسها أمام مسلسل جديد من الاختلاف بسبب التباين حول قوننة الإنفاق. وتؤكد مصادر نيابية ووزارية، ان بري كان في غنى عن الدعوة الى اجتماع اليوم لو وافق «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة ميشال عون على الانضمام الى اللجنة المشتركة التي اقترحها الأول، وتكليفها إيجاد مخارج لموضوعين عالقين هما قوننة الإنفاق الحكومي والنظر في مصير 69 مشروع قانون كانت أقرتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في غياب وزراء حركة «أمل» و «حزب الله» احتجاجاً على عدم «شرعية» طلب تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وتضيف المصادر ان عون اشترط قوننة المجلس الإنفاق الحكومي للعام الماضي وقدره 8900 بليون ليرة، على أن يوكل الى اللجنة المشتركة النظر في الإنفاق الحكومي في عهد الحكومات السابقة. لكن نواب المعارضة، كما تقول المصادر الوزارية، اشترطوا التوافق على مخرج واحد لقوننة الإنفاق الحكومي، لأن الإنفاق في عهد الحكومات السابقة حصل من قبل الحكومات التي شاركت فيها «أمل» و «حزب الله»، اضافة الى «جبهة النضال الوطني» بزعامة وليد جنبلاط، التي تؤيد أن تأتي التسوية شاملة لكل الحقبات الاستثنائية وعدم التفريق بين هذه الحكومات والحكومات الأخرى. وترى المصادر أن بري، مدعوماً من «حزب الله»، يحبذ إيجاد تسوية لكل المشكلات العالقة، وأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يدعم هذا التوجه، وأن وزراء في حكومته يشاركونه الرأي. وتتابع ان بري لم يبادر الى الدعوة الى تشكيل اللجنة الوزارية-النيابية من دون حصوله على ضمانات من حليفه «حزب الله» الذي شدد أمينه العام السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير على أنه مع النأي بالنفس لحماية الحكومة والحفاظ على الاستقرار العام في البلد، مشيرة الى ان الغالبية في البرلمان تتبنى التوافق على تسوية للإنفاق الحكومي، وإلا فإن الجلسة التشريعية المقبلة مرجحة للتأجيل، وربما لفقدان النصاب، بسبب موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. وتعتقد المصادر بأن عون يصر على ان ينتزع من الهيئة العامة للبرلمان موافقتها على تبرئة ذمة الحكومة الحالية في مقابل رفضه الانخراط في الجهود الرامية لإيجاد تسوية للإنفاق الحكومي في السابق، بذريعة انه يود الاحتفاظ بآخر ورقة لديه «لمحاكمة» أبرز الرموز في الحكومات السابقة، وتحديداً الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري. وتلفت المصادر نفسها الى ان بري عندما اقترح في المشاورات النيابية وعلى هامش انعقاد الجلسة التشريعية الأخيرة، تشكيل لجنة مشتركة من الوزراء محمد الصفدي، محمد فنيش، وائل أبو فاعور ورئيسي لجنتي الإدارة والعدل روبير غانم والمال والموازنة ابراهيم كنعان، والنواب ياسين جابر، غازي يوسف وجمال الجراح، كان يفكر في أن تسارع هذه اللجنة الى عقد خلوة لا مانع في أن تستمر في اجتماعاتها لثلاثة أيام، تأخذ على عاتقها التوافق على تسوية الإنفاق الحكومي، وتنظر في 69 مشروع قانون على أساس فرزها لإقرار بعضها والطلب من الحكومة الحالية استعادة بعضها الآخر، إضافة الى إعادة مشاريع قوانين معينة الى اللجان المشتركة لدرسها. وتؤكد المصادر عينها، ان بري يعارض جر البرلمان الى انقسام عمودي حاد، لأنه يستشعر الخطر الداهم على لبنان جراء التطورات المتسارعة في المنطقة وارتدادات الأزمة السورية على الداخل اللبناني، وبالتالي يحاول توفير الحد الأدنى من الشروط للحفاظ على التماسك بين اللبنانيين كشرط للإبقاء على التواصل الذي يتيح للقوى السياسية التشاور في شأن الخطوات الواجب اتباعها للحد من الأخطار الخارجية وقطع الطريق على من يحاول استيراد الأزمة السورية الى لبنان. وتعتقد بأن عون يصر على أن يخضع البلد للقيود، حتى ولو كانت من الماضي، ويرفض التطلع الى المستقبل، لأنه يتعامل مع كل ما هو مطروح على خلفية انتقامية، لا بل ثأرية. وتنفي المصادر ما أشيع أخيراً، عن أن عون ضحى بوزير العمل شربل نحاس وجعله كبش محرقة، خلافاً للتعهدات السابقة التي ألزم نفسه بها بعدم التخلي عنه والطلب منه الاستقالة من الحكومة، في مقابل الدخول في مقايضة على رأس وزيره بالمعنى السياسي للكلمة، تشمل «الإفراج» عن ملف التعيينات الإدارية الذي لا يزال عالقاً بسبب تفاقم الاختلاف بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبين عون الذي يخطط للاستئثار بالحصة المسيحية. وتكشف المصادر ان النائب إبراهيم كنعان، الذي كان أبلغ أركان الدولة الأحد الماضي، بعيداً من الأضواء، بأن استقالة نحاس باتت محسومة ولا عودة عنها، حاول أن يستمزج رأيهم في اعادة طرح التعيينات، فقيل له إن مسألة الاستقالة معزولة عن الأخيرة، وإن مجلس الوزراء سيتقيد بآلية التعيينات التي أقرتها وزارة التنمية الإدارية بالتعاون مع هيئات الرقابة، وإن أي اسم من خارج هذه الآلية سيخضع الى نقاش في المجلس. وبكلام آخر، لم ينجح كنعان في مسعاه، خصوصاً أن هناك من قال له بصراحة إن الاختلاف هو بين «العمادين»، أي رئيس الجمهورية وعون، وإنه لو كان في مكان آخر لكنا على استعداد للتدخل في سبيل انضاج تسوية ما، إضافة الى أن هذه المسألة بالذات كانت نوقشت بينهما بمسعى من البطريرك الماروني بشارة الراعي. موقف جنبلاط الى ذلك، لن يكون الاجتماع المشترك اليوم برئاسة بري، في منأى عن موقف جنبلاط من تسوية الإنفاق الحكومي انطلاقاً من أن تكون شاملة. وهو أبلغ جميع المعنيين بأنه لن يسمح في ظل الظروف السياسية الراهنة، بأن يصنف النواب المنتمون الى «جبهة النضال الوطني» في الجلسة التشريعية في 5 شباط (فبراير) المقبل، على خانة فريق يريد أن يسجل الغلبة على فريق آخر. وتنقل المصادر عن جنبلاط قوله إنه في الأكثرية النيابية، لكنه لن يسمح لفريق فيها بأن يأخذها في اتجاه تكريس انقسام حاد في البرلمان، وذلك في اشارة الى عدم موافقته على طروحات عون في هذا الشأن. وتؤكد أن موقف جنبلاط غير قابل للتعديل، وهو ينسق مع بري لبلورة موقف موحد في اجتماع اللجان يفترض أن ينسحب على الجلسة التشريعية، وإلا سيدرس الموقف الذي سيتخذه من الجلسة. أين يقف «حزب الله»؟ وفي شأن موقف «حزب الله»، أكدت المصادر أن قيادته كانت شجعت على إدراج اسم فنيش في اللجنة المشتركة، لما لديه من إلمام في المشكلات العالقة، لكنها تريثت في تحديد موقفها النهائي بسبب تحالفها مع عون ومراعاتها لما يقترحه، على رغم ان نصرالله كان شدد على ضبط الوضع وضرورة بقاء الحكومة، ما اعتبر بمثابة قرار بعدم الدخول في لعبة تطيير الحكومة حتى اشعار آخر، وهو يتناغم فيه مع قرار مماثل للنظام السوري، مع أن جهات سياسية مقربة من الأخير ترفض ان تجزم بما إذا كان هذا الموقف نهائياً أم أنه سيبقى مفتوحاً على التطورات المتسارعة على صعيد الأزمة في سورية. التعايش مع أزمة سورية وعليه، تسأل المصادر ما إذا كان أركان الدولة من جهة والفريق المعارض من جهة ثانية، يدرسون في مجالسهم الخاصة كيفية التعايش مع الأزمة في سورية في ضوء الاحتمالات التي تتحدث عن أنها ستكون مديدة ولن تُحسم قريباً، خلافاً لما كان أعلنه عون وآخرون تربطهم علاقة وثيقة بالنظام السوري. وتنقل المصادر عن أحد أركان الدولة قوله، إن سياسة النأي بلبنان عن الأحداث الجارية في سورية كانت في محلها، وإن موقف ميقاتي في هذا الخصوص يحظى بتفهم عربي وغربي، لكن هذا لا يبرر تحت أي اعتبار، التفكيرَ في كيفية مجاراتها والتعايش معها. وتضيف أن الحفاظ على الاستقرار في لبنان يلقى دعماً، لكن السؤال المطروح: هل يمكن اجراء انتخابات نيابية في ربيع 2013 في حال بقيت الأزمة في سورية على حالها من دون أن يلوح في الأفق أي انفراج يسبق موعد انجاز هذا الاستحقاق لإعادة إنتاج سلطة سياسية جديدة في لبنان؟ كما تسأل المصادر: هل ان الاستقرار يبقى قائماً؟ ومن يضمن ديمومته بالامتناع عن تحريك الساحة اللبنانية واستخدامها في هذا الاتجاه أو ذاك المعاكس له؟ وبالتالي ما هو مصير الحكومة؟ وأين الخطة للتعايش مع الأزمة في سورية؟