أوقع رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري بعض حلفائه، قبل الآخرين في قوى 14 آذار، في حيرة بسبب إصراره على عقد جلسة نيابية تشريعية وعلى جدول أعمالها 49 بنداً - زائداً حبة - بدلاً من أن يقتصر على بند واحد يتعلق بتعديل فقرة في قانون النقد والتسليف الخاصة بالنظام الداخلي لحاكمية مصرف لبنان يجيز التمديد لحاكمه الى حين تعيين خلف له، وكذلك لنوابه. ولم يعرف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأسباب التي أملت على بري تكبير جدول أعمال الجلسة التشريعية المقررة اليوم على رغم أنه على تواصل دائم معه من خلال الوزير وائل أبو فاعور إضافة الى أن لا مشكلة أمام توفير النصاب المجلسي الذي لن يقتصر على النواب المنتمين الى الأكثرية وسينضم إليهم عدد من نواب حزب الكتائب ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري وآخرون ممن يحبذون التعديل من أجل التمديد لرياض سلامة على رأس حاكمية مصرف لبنان. وقالت مصادر نيابية ل «الحياة» إن الاختلاف بين بري وقوى 14 آذار لا يعود الى حقه في توجيه الدعوة الى عقد جلسة نيابية، إنما الى التباين في شأن جدول أعمالها الذي هو من صلاحية هيئة مكتب المجلس الذي ارتأى معظم أعضائه ان من غير الجائز الدعوة الى جلسة كهذه في ظل وجود حكومة تصريف أعمال. ولفتت المصادر الى أن حصر الجلسة التشريعية بالبند الوحيد المتعلق بالتمديد لسلامة كاد يحدث إرباكاً داخل صفوف نواب المعارضة بسبب اختلافهم على آلية التمديد له على رغم عدم اعتراضهم على المبدأ. وقالت المصادر إن إصرار بري على إدراج 49 بنداً على جدول أعمال الجلسة أدى الى إنقاذ قوى 14 آذار من مأزق الاختلاف، مشيرة الى أن لا اعتراض على حق رئيس المجلس في أن يقترح جدول الأعمال الذي أصر معظم أعضاء هيئة مكتب المجلس على عدم مناقشته أو الاطلاع عليه باعتبار أن الجلسة غير ميثاقية. وأكدت أن لا التباس في قول بري إن نواباً من المعارضة كانوا اقترحوا عليه الدعوة الى جلسة نيابية لكنه لم يبدِ حماسة في السابق بذريعة أنه يفضل عدم عقدها في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، خلافاً لإصراره اليوم على عقدها وربما كان ذلك بسبب توقعه انجاز الحكومة الجديدة قريباً. وأضافت أن البرلمان سيد نفسه وبمقدور رئيسه الدعوة الى جلسة مناقشة عامة في ظل عدم وجود حكومة قادرة على أن تحكم وأن الضرورات تبيح المحظورات وهذا يمكن أن يفتح الباب أمام حصر الجلسة التشريعية ببند تعديل النظام الداخلي لحاكمية مصرف لبنان، لكن توسيعه بهذا الشكل يشكل إحراجاً للرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي لم يعترض على مبدأ الدعوة الى جلسة تشريعية وإنما على بنود جدول أعمالها لئلا يقال إنه يتكيف مع تأخير ولادة الحكومة». وأوضحت المصادر أن عدم وضع اليد على الأسباب التي كانت وراء تكبير جدول أعمال الجلسة دفع عدداً من النواب الى الاجتهاد في معرض تبيانها خصوصاً أن جنبلاط حليف بري في السراء والضراء لم يكن على علم بوجود نية لديه لإعداد جدول أعمال فضفاض على رغم تضمنه بنوداً لا يمكن الاعتراض عليها، لكن توقيت إدراجها يمكن أن يتسبب بمزيد من الانقسام والاحتقان المذهبي والطائفي وإشعار فئة من اللبنانيين بالقهر. وقالت إن جنبلاط الذي يأخذ على بري عدم التشاور معه في مسألة جدول الأعمال لم يبدل في قناعته من أن لا بد من الحوار بين رئيس المجلس ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري آخذاً على الأخير عدم قيامه بتصريف الأعمال. وتابعت المصادر المواكبة للاتصالات التي أجريت قبل أن يتخذ بري قراره بتوسيع جدول أعمال الجلسة، أن جنبلاط ما زال يراهن على أهمية الحوار بين بري والحريري حتى لو لم يتفقا، وعزت السبب الى أنهما من موقعهما يتمتعان بقدرة ليست متوافرة لدى سواهما على تنفيس أجواء الاحتقان والتخفيف من حدة التوتر المذهبي إضافة الى قدرة رئيس المجلس على تدوير الزوايا وإيجاد الحلول الوسطية. وأضافت أن لا مصلحة للبنان في عدم الحوار بين السنّة والشيعة وأن بري هو الأقدر على التحاور مع الحريري في ظل القطيعة القائمة بين الأخير وقيادة «حزب الله» مؤكدة أن جنبلاط لا يحبذ استمرار الانقسام العمودي في البلد وأنه لهذا السبب يرفض حضور الجلسة ما لم تقتصر على بند واحد، لا سيما أن هناك حاجة ماسة لبقاء سلامة على رأس حاكمية مصرف لبنان بعدما أثبت قدرته على ضمان الاستقرار النقدي في أحلك الظروف ونجح أخيراً في استيعاب تداعيات أزمة البنك اللبناني - الكندي. وقالت إن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة كان أول من شجع على الحوار بين بري والحريري مع أنه يتعرض لأعنف الحملات الإعلامية والسياسية من قبل بري وفريقه السياسي. وكشفت أن لدى السنيورة رؤية حلٍّ للتمديد لسلامة يكمن في أمرين: إما أن يتولاه مجلس الوزراء من خلال التوافق على مرسوم يوقعه أكثر من ثلثي أعضاء الحكومة، أو التفاهم على مخرج آخر لم يفصح عن تفاصيله. وأكدت المصادر المواكبة أن جنبلاط ما زال يراهن على قيام كتلة سياسية وسطية تضم، إضافة إليه، الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي وأن رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميل ليس بعيداً منها وهو كان أسرّ الى رئيس «التقدمي» بأن النواب المنتمين الى «الكتائب» لن يقاطعوا الجلسة شرط أن تقتصر على التمديد لسلامة. وأوضحت أن هناك حاجة اليوم الى الكتلة الوسطية أكثر من أي وقت مضى باعتبارها قادرة على لعب دور ضاغط ووازن في الوقت نفسه يتيح لها العمل لخفض منسوب التوتر السياسي. وقالت إن لهذا السبب يخطئ من يعتقد أن تحول جنبلاط ألحقه بركب قوى 8 آذار وأفقده دوره في الشراكة. وأكدت أن موقف جنبلاط من الجلسة ما هو إلا رسالة الى بعض الأطراف في قوى 8 آذار أنه ليس في وارد الذوبان كطرف في الانقسام القائم في البلد، وبالتالي لا يمكن احتسابه في صف الأكثرية من دون أن يعترض على أداء بعض الأطراف فيها وهو يلتقي في هذا السياق مع رئيس المجلس في مآخذهما على رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على خلفية أنه لم يقدم التسهيلات المطلوبة للإسراع في ولادة الحكومة. لذلك، فإن جنبلاط لن يختلف مع بري ويصر على قيام كتلة وسطية مهما طال الانتظار وهو من اقترح أخيراً - وفق ما توافر ل «الحياة» من معلومات - حلاً وسطاً لتأمين عقد الجلسة يقضي بإدخال تعديل على بنود جدول أعمالها يسمح بإعطاء الأولوية للفقرة الخاصة بالتمديد لسلامة بدلاً من أن يبقى ترتيبها في المرتبة السادسة والثلاثين من الجدول وعندها يشارك ونواب «جبهة النضال الوطني» في الجلسة على أن يغادر ونوابه القاعة فور إنجاز التعديل. ومع أن المصادر رفضت تسليط الأضواء على موقف بري من اقتراح جنبلاط، فإنها في المقابل تستبعد موافقته لأن خروجهم من القاعة سيؤدي الى فقدان الجلسة النصاب أي 64 نائباً زائداً واحداً، وبالتالي يتعذر على الحضور متابعة الجلسة التشريعية، مع العلم أن جنبلاط بموقفه هذا يتناغم مع ميقاتي. وعليه، فإن إصرار بري حتى إشعار آخر على كامل بنود جدول الأعمال سيقطع الطريق على تأمين النصاب القانوني للجلسة وسيفتح الباب أمام تداعيات سياسية جديدة على وقع «الكلام الكبير» الذي سيقوله رئيس المجلس، فيما لم يطرأ أي جديد على تفعيل المشاورات الجارية لإزالة العقبات من أمام تأليف الحكومة. وفي هذا السياق علمت «الحياة» أن عون الذي يمتنع عن تسليم الرئيس المكلف لائحة بأسماء وزرائه انطلاقاً من تسمية أكثر من مرشح للحقيبة الواحدة ليترك لرئيسي الجمهورية والحكومة اختيار واحد منهم، يصر في المقابل وفي آخر نسخة منقحة من شروطه على معرفة اسمي الوزيرين الماروني والأرثوذكسي اللذين سيسميهما سليمان. ورفض رئيس الجمهورية آخر شروط عون الذي يصر على ألا يكونا من منطقة جبل لبنان وتحديداً من المتن الشمالي وكسروان وجبيل، ونقل عنه زواره أنه لا يعترض على توزير أحد المارونيين جان عبيد وناجي البستاني فالأول تربطه به صداقة وطيدة والثاني من فريق عمله السياسي، لكن في المبدأ يرفض أن يمارس عليه أي شكل من أشكال الوصاية من أية جهة ترفض تسليم الرئيس المكلف لائحة بأسماء من يمثلها في الحكومة، إضافة الى استغرابه - وفق الزوار أيضاً - أن يشترط عليه منع هذا أو ذاك من الترشح للانتخابات النيابية عام 2013.