تفاءل عشرات الآلاف من الشباب العمانيين بنتائج اعتصاماتهم واحتجاجاتهم التي حصدوا بفضلها أكثر من خمسين ألف فرصة عمل بموجب أمر من السلطان قابوس قدمت المؤسسات العسكرية غالبيتها. وحصلوا على منحة «باحث عن عمل» اذ لا يستخدم الخطاب الإعلامي العماني مفردة (عاطل) بتوجيه رسمي رأى في اللفظ معنى سلبياً لا يليق بشاب. لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، ومثلما ترك عشرات الآلاف وظائفهم في القطاع الخاص ممنين النفس بوظيفة حكومية، تهافت الكثيرون على المنحة المقدرة بما يقارب 400 دولار شهرياً، وقالت مصادر رسمية ان 200 ألف مواطن مسجلون لدى الهيئة العامة لسجل القوى العاملة، فيما العدد الحقيقي للباحثين عن عمل (المستحقون للمنحة) هو نحو 60 ألف شخص فقط. وأشار مسؤول حكومي إلى أن جانباً كبيراً من المسجلين هم أصحاب مهن حرة أو حرف او أصحاب شركات نشطة وطلبة على مقاعد الدراسة وعاملون في القطاعات العسكرية والأمنية وربات منازل ليس العمل هدفهن الأساسي، فيما يوجد 45 الف شخص تجاوزت أعمارهم ال30 عاماً، وهناك نحو 70 الف شخص تجاوزا ال25 سنة وشكلت الإناث النسبة الأكبر، نظراً الى تنافس ربات البيوت ومن لم يكملن دراساتهن بعد الديبلوم العام على هذه المنحة، وهناك من لا ترغب في العمل لأسباب اجتماعية. وأشار يونس بن خلفان الأخزمي إلى استقالة نحو 60 ألف شاب من العاملين في القطاع الخاص من أجل (عيون) الوظيفة الحكومية، غير آبهين بأي امتيازات أو حوافز تقدمها الشركات والمؤسسات الخاصة، منوهاً بعدم قدرة الحكومة مهما فعلت على استيعاب جميع الباحثين عن عمل، وقال: «الأمر الطبيعي في أي مجتمع في العالم أن يكون القطاع الخاص هو الموفر الأكبر والمستمر لفرص العمل». وتشير الإحصائيات إلى أن معظم الذين سجلوا أسماءهم في سجلات الباحثين عن عمل هم من حملة الثانوية وما دونها من المستويات التعليمية. ورأى الأخزمي في ذلك دلالة على أنه «لم تكن لديهم الرغبة في العمل من قبل، أو ان لديهم أعمالاً خاصة أو مهناً وحرفاً يتقاضون بفضلها أجراً شهرياً منتظماً». وتؤكد البيانات أن ستة آلاف من حملة الشهادة الجامعية لم يسجلوا إلا بعد إنشاء سجل القوى العاملة، وسبعة آلاف مواطن ايضا كانوا مستقيلين قبل ستة اشهر من صدور أوامر السلطان قابوس بتعيين 50 ألف (باحث عن عمل). وبقيت حال الجدل مستمرة حول هذه المنحة. شباب يبحثون عنها فلا يجدونها، وآخرون يجدونها في حساباتهم المصرفية مع أنهم يعملون في مؤسسات حكومية وخاصة، ما أربك الجهات الرسمية التي وجدت نفسها أمام أعداد هائلة من الملفات التي تقتضي الفرز والتدقيق مع صعوبة الربط بين المؤسسات التي قامت بالتوظيف، وظهور إشكالية أخرى تمثلت في طلب الشاب عدم توقيع عقد مع مؤسسات القطاع الخاص أو تسجيل اسمه في «التأمينات الاجتماعية» رغبة في تعزيز راتبه (البسيط) بمنحة (ال150 ريالاً عمانياً) وانتظار فرصة وجود وظيفة حكومية ليلتحق بها فوراً، طالما أن اسمه لا يزال في كشوفات (الباحثين عن عمل) مستحقاً المنحة والبحث له عن وظيفة. وسعت الحكومة الى طمأنة الشباب لإبقائهم في القطاع الخاص الذي عانى عدم استقرارهم في وظائفهم وكثرة تنقلهم، فأبلغوا بتعميم يفيد بإمكان انتقالهم للعمل الحكومي لاحقاً في حالة رغبتهم في ترك الوظيفة (في الشركات والمؤسسات الخاصة). ونقلت الحكومة موظفين من القطاع الخاص للحكومي حينما لم تجد في (قوائم الباحثين عن عمل) من تنطبق عليه الشروط المطلوبة لشغل وظائف في القطاع العام. وتقوم الهيئة حالياً بصرف المنحة ل36 ألف (باحث عن عمل) تم توظيف نحو 15 ألف شاب منهم. ويشير الأخزمي إلى أن بعضهم تقدم بتظلم، كون بياناتهم نشطة قبل الأوامر السلطانية في 27 شباط (فبراير)، وشكلت لجنة لدرس تلك التظلمات التي وجد بعضها حقيقياً، وكان لافتاً أن تعرض وظائف على الشباب فيرفضونها، بانتظار الوظيفة الحكومية. ويشرح الأخزمي فكرة المنحة بالقول انه «في العديد من دول العالم، فإن منحة الباحث عن عمل تحسب على أساس نسبة محددة من الحد الأدنى للأجر الذي يستحقه ذلك الباحث وفقاً لمؤهلاته وخبراته. فعلى سبيل المثال، اذا كان الحد الأدنى للأجر لخريج الجامعة (400) ريال عماني، فإنه يستحق في الغالب نسبة 25 في المئة من ذلك الأجر كمنحة أو معونة تعطل بحيث لا تتجاوز بكل حال من الأحوال راتب الضمان الاجتماعي، وفي أنظمة أخرى نحاول الاستفادة منها، فإن منحة الباحثين عن عمل تعطى لأؤلئك الذين يقبلون الالتحاق ببرامج التدريب والتأهيل لصقل مهاراتهم العملية، وتعطى لهم حتى تنتهي فترة التدريب ويلتحقوا بالعمل».