لقي مرسوم أصدره السلطان قابوس الأسبوع الماضي بتعيين عبدالله الحراصي رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون ارتياحاً لسبب واحد، وهو... أنه شاب! فالحراصي الأكاديمي في جامعة السلطان قابوس، مطّلع على آداب أجنبية ومعروف بثقافته الواسعة، فجاء تعيينه في المنصب الجديد تعزيزاً لدور الشباب العماني في رسم مستقبل بلاده. والهيئة التي أعلن عن تأسيسها قبل أشهر، ويتولى الحراصي مسؤوليتها هي الأولى من نوعها في البلاد بما يعطي لهذين الجهازين مكانتهما وأهميتهما في التأسيس لإعلام مختلف. وكانت تأثيرات الربيع العربي واضحة في الشباب العماني وهو ينطلق في الشوارع والساحات مطالباً بحماية المجتمع من الفساد ومخاطر إعلام تقليدي لم يحقق له مطالب المرحلة الراهنة ولم يسايرها كما ينبغي، معتقداً أن الأوان قد آن للتغيير والدخول إلى مرحلة جديدة يكون فيها صوت الشباب حاضراً في مواقع القرار، ولا يجلس بانتظار وظيفة لا تأتي أو يقنع بأخرى لا تحقق له العيش الكريم. ولم يكن الحراصي بمنأى عن صوت الشباب طيلة الفترة السابقة وهو ينطق بآرائه، فقد تحدث عن ضرورات المرحلة معتبراً «المطالب المعيشية جزءاً من المطالب الإصلاحية السياسية الكبرى التي تشمل إشراك الناس في صوغ دستور بلادهم ومراجعته بما يحقق رؤاهم الوطنية لنظام الحياة في عُمان». وكأن الحراصي كان يستقرئ المستقبل، فقد طالب منذ أشهر ب «تحرير الإعلام العماني من قيوده الكابحة للقول والتعبير عن الآراء المختلفة» إضافة إلى «وضع النظم التي تحد من الفساد والتخريب بكل أشكاله، ووضع نظام صارم يتمتع بالمراقبة لصرف المال العام بما يضمن عدم التعدي عليه وعدم هدره في ما لا يجني منه الوطن العماني الخير، وإصلاح حال مؤسسات الدولة المختلفة التي لا يختلف اثنان على وجود ترهل وضعف في أداء كثير منها، ونشر التعليم ومؤسساته بما يضمن حصول كل عماني على التعليم الذي يرغب فيه وبما يضمن المصلحة الكلّية للوطن العماني في استعداده للمستقبل، مع وضع التنظيمات التي تضمن المهنية العالية الحقّة في مؤسسات التعليم بكل مستوياته». شاب بمثل هذه العقلية الليبرالية الساعية نحو التغيير، فاجأ كثيرين بقدرته على رفع الصوت عالياً. وجاء توليه منصباً إعلامياً هو الأهم في السلطنة بمثابة تكريس لدور الشباب بالتوازي مع انطلاق دورة جديدة لمجلس الشورى الذي تشكل في غالبيته من الشباب المدرك أن طبيعة الواقع اليوم ليست كالتي كانت قبل أشهر. والصلاحيات التي منحها السلطان قابوس لمجلس الشورى تحقق بدورها غالبية مضامينها مطالب الشباب التي رفعت في الأشهر الماضية. فكان هؤلاء محرك الرياح التي ذهبت بالمجتمع العماني إلى تغييرات كبيرة، سواء في رسم السياسات العامة أم على مستوى الأفراد، فكان الشباب أول من حصد ثمار نشاطهم خصوصاً في ما يتعلق بالتوظيف والتعليم والابتعاث الخارجي. ووجد عشرات الآلاف منهم طريقه إلى العمل سواء الحكومي أم الخاص، كما لم يبق من خريجي الديبلوم العام (الثانوية العامة) طالباً يرغب في إكمال دراسته ولم ينل مقعداً دراسياً على نفقة الدولة، كذلك ارتفع عدد الحاصلين على منح للدراسة الخارجية بما لا يقارن بعددهم في العام الماضي وما قبله. وخلال الانتخابات الأخيرة، كان لافتاً مشهد صور مرشحين شباب يعلنون عن أنفسهم عبر لوحات الدعاية لانتخابات مجلس الشورى، ويراهنون على شهاداتهم وخبراتهم، رافعين شعارات الإصلاح والتغيير وبناء المستقبل. شباب وشابات أعلنوا عن أنفسهم بقوة والهدف واحد: التغيير! وبدا واضحاً أن جيل الشباب يكتسح الساحة كون أكثر من نصف سكان السلطنة هم من الشباب، فيما ينقسم النصف الآخر بين اليافعين والكبار. القيادات الشابة التي يراهن المجتمع العماني عليها من خلال مواقعها في الوظائف الحكومية، أو عبر مجلس الشورى، ينتظر أن تحقق ما سعى شباب السلطنة من أجله طوال الأشهر الماضية، مؤكدين أنهم ينتظرون الكثير بعد تراجع الحرس القديم لمصلحة الدماء الجديدة. فحين استمع السلطان قابوس إلى صوت الشباب وتعامل معهم بحكمة ملبياً مطالبهم الواحد بعد الآخر، مكن عمان من تجاوز أزمة الاحتجاجات سريعاً، ووضع البلاد على قاطرة التغيير.