لم يتوقع أحد من الشباب الذين وقفوا طوابير تحت الشمس أن يحصل على الوظيفة التي بدت لهم كحلم قبل شهر تقريباً. فأن يرتدي الزي العسكري ويتوظف في الجيش أو الشرطة كان هدفاً بعيد المنال ولم يكن متاحاً إلا العمل في شركات القطاع الخاص. هكذا بدا المشهد لآلاف من شباب مدينة صحار التي شهدت أشد الاعتصامات عنفاً في سلطنة عمان، وأوقعت شابين بعد مواجهات مع الجيش والشرطة. وكانت المصادفة أن يلتحق أولئك الشباب مع الجهازين اللذين واجهاهما. وفيما كان الشباب يستعدون لجمعة جديدة من المواجهات مع وحدات الجيش والقوات الخاصة في تصعيد لحال الغضب خصوصاً بعد اعتقال العشرات منهم قبل أيام، بادرت الحكومة إلى حل سريع لأزمة العاطلين أو كما يسمون «الباحثين عن عمل»، محولة أمراً سلطانياً بتوظيف 50 ألف شاب إلى التطبيق الفعلي، فتوجهت عشرة باصات صباح الأربعاء الماضي إلى ولاية صحار وكان التوجيه الواضح للشباب الذي تناقلوه فوراً على «فايسبوك» وعبر الرسائل النصية: «من أراد العمل فليركب الباص». ويسترجع أحدهم محاولاته المتكررة للالتحاق بالعسكرية والشروط الصعبة التي كانت توضع من حيث الطول والوزن والحالة الصحية واللياقة. أما اليوم فركوب الباص لا يحتاج إلى أية مؤهلات، وبكل بساطة فإن تلك الخطوة الصغيرة للجلوس على مقعد مريح في الباص سيجعل من الشاب جندياً مستجداً لا يطلب منه سوى بطاقته الشخصية وهي الأسهل في مشوار الوصول إلى وحدة التسجيل. وخلال أيام قليلة بدأ مئات الشباب التدريب العسكري، وتبعهم مئات آخرون من زملائهم، إذ تعهد الجيش بتوظيف نحو عشرين ألف شاب، وهكذا تحولت جمعة الغضب التي دعي إليها، إلى جمعة خلاص من البطالة، وحصول على وظائف لم تكن في بال أحد أن يجدها أمام بيته تنتظره في باص، إضافة إلى طائرات من سلاح الجو لنقل الشباب إلى قواعد التدريب العسكرية في المناطق البعيدة من صحار. ووجد الشاب العماني نفسه أمام فرص ذهبية تتكاثر كل يوم: الوزارات تنشر إعلانات توظيف ضمن التزامها بإلحاق بضعة آلاف من مجموع الخمسين ألف وظيفة، والشركات تعرب عن تضامنها مع الموقف الذي تصاعد مع احتجاجات الشباب على انعدام فرص التعليم والتوظيف، والشكوى الدائمة من أن العامل الوافد يعامل بصورة أفضل مع تحكم اللوبي الآسيوي في التوظيف والترقي داخل القطاع الخاص. ولم يكن مستغرباً أن يصعّد الشباب من وقفاتهم الاحتجاجية ويغلقوا مصانع وشركات ومناطق صناعية احتجاجاً على سوء معاملتهم في مؤسسات القطاع الخاص، مطالبين بمساواتهم مع نظرائهم في القطاع الحكومي من حيث الإجازات الأسبوعية والحوافز. وكان لافتاً أن يقوم شباب في العشرينات من عمرهم بمفاوضة رؤساء مجالس الإدارات والوصول إلى حل لمشاكلهم، وكانت أكثرية مطالبهم مستجابة، في ظل مخاوف من تعطل حركة الإنتاج وكسب الحركات الاحتجاجية الشبابية دعماً إضافياً من القوى المستعدة للخروج عن النطاق السلمي المسموح به. تلك المكاسب دفعت بتسعة آلاف شاب للخروج من وظائفهم التي رأوا أنها لا تلبي طموحاتهم للظفر بوظيفة أفضل، وبعضهم فكر في منحة مقدارها قرابة 400 دولار تعطى للباحثين عن عمل، بينما راتب الشاب في وظيفته لا يزيد كثيراً عن هذا الرقم. ونظر بعضهم إلى فرص التوظيف العسكري على انها الأكثر ضمانة للمستقبل، ويرونها أفضل لكرامتهم ومعاناة العمل تحت إدارة أجنبية تتعامل بفوقية أو وفق ثقافة لم يعتدها شباب دفعتهم الظروف في بلد نفطي إلى العمل بمشقة في شركات لا تعطي الكثير. وقدمت الشرطة فرصة توظيف خمسة آلاف شاب، وفتح المجال أمام خمسة آلاف خريج للعمل في قطاع التعليم إضافة إلى خمسة آلاف آخرين للعمل في القطاع الحكومي، وتبارت الشركات في إظهار روح المشاركة الوطنية من خلال عشرات الإعلانات الداعية للتقدم إليها فوراً. ومن المتوقع أن تتراجع أعداد الباحثين عن عمل مع تحول قطاعات عدة إلى مراكز توظيف (فوري)، بانتظار بضعة أشهر مع إنهاء نحو 70 ألفاً امتحانات الشهادة العامة أكثر من نصفهم سيحمل لقب باحث عن عمل، لكن الضغط الذي أوجده الشباب جعل موازين القوى تميل لمصلحتهم، من أجل إيجاد وظيفة سريعة لهم، إن لم يكن دعم حصولهم على مقعد دراسي.