الارتباك هو أبرز ملامح الفترة الانتقالية بعد سقوط نظام مبارك، وانعكس في محطات عدة ومواقف متعددة، ووقعت فيه جهات كثيرة بدءاً من المجلس العسكري، ومروراً بالحكومة والبرلمان والقوى السياسية، وانتهاءً بالشارع. الارتباك أيضاً هو سيد الموقف داخل جماعة «الإخوان المسلمين» في شأن قضية الانتخابات الرئاسية، فالجماعة التي أكدت أنها لن تطرح مرشحاً وستختار واحداً من بين المرشحين المحتملين لتدعمه، أو ستتفق مع شخص بعينه لا ينتمي إلى التيار الإسلامي، وتطلب منه الترشح وستقف خلفه، لم تعلن حتى الآن مساندتها أيًّاً من الأسماء المطروحة، بل إنها تكاد تكون قطعت «الوصال» معهم جميعاً، فكلما تسربت معلومات عن عزمها دعم هذا المرشح أو ذاك يجيء ردُّ الفعل بين أعضائها متسماً بالغضب أو المعارضة أو الاستغراب، كما أنها فشلت في إقناع أيٍّ من الشخصيات العامة، وغالبيتهم من القضاة، بالترشح، فوجدت نفسها في النهاية أمام خيارات صعبة، أولها أن تتراجع عن موقفها وتطرح مرشحاً فتتيح لمعارضيها الفرصة للنيل منها، واللعب على أوتار التناقضات داخلها. ووفق معلومات مؤكدة فإن فريقاً داخل الجماعة يضغط على نائب المرشد العام المهندس خيرت الشاطر ليترشح، بينما الشاطر نفسه الذي عُرِف عنه عزوفه عن المشاركة في العمل العام وتفضيله العمل التنظيمي ووضع الرؤى للخطط الاقتصادية الكبيرة، يرفض ومعه عدد غير قليل من قادة الجماعة، والغريب أن القيادي السابق المرشح المحتمل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والذي كان يحظى بمكانة كبيرة بين «الإخوان» فُصِل من الجماعة لأنه رفض الانصياع لقرار مكتب الإرشاد بعدم طرح مرشح للانتخابات الرئاسية، وقرر أن يترشح، فإذا طرح «الإخوان» الشاطر مرشحاً فلماذا إذاً فصلت الجماعة أبو الفتوح؟ الموقف المنطقي لقادة «الإخوان» هو الحؤول دون فوز أبو الفتوح، لأنه أولاً خالف قرار الجماعة، ولأن نجاحه يعني أنهم كانوا على خطأ، أما الخيار الثاني فلم يعد مطروحاً وهو أن تعود الجماعة لتعلن دعم أحد المرشحين المحتملين، إذ عندها ستبدو، وكأنها تتخبط، كما أن «بالونات الاختبار» التي أطلقت في الأسابيع الماضية أوضحت أن غالبية «الإخوان» لا تميل إلى أيٍّ من المرشحين الموجودين بالفعل، بل هناك معارضة شديدة بين قطاعات من «الإخوان» لغالبية المرشحين. وعلى الأرجح فإن الجماعة ستصل إلى الخيار الصعب إذا لم ترشح الشاطر بأن تقرر علناً ترك الحرية لأعضائها ليختاروا من يرون أنه الأصلح، وفي السر ستصدر التعليمات بألا يمنح «الإخوان» أصواتهم تحديداً لأبو الفتوح، وأن يختاروا من بين باقي المرشحين كما يرون. وضع «الإخوان» أنفسهم في تلك المعضلة، وكان أمامهم الوقت ليختاروا الطريق الذي سيسيرون فيه، لكنهم تباطأوا ثم تراجعوا ثم ارتبكوا، وأخيراً اختاروا! وفي المقابل سار «الإخوان» في باقي المسارات بقوة ومن دون أن يدفعهم أحد فاكتسحوا الانتخابات البرلمانية بعدما دفعوا الناس إلى الاقتراع بنعم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وهم نفَذوا ما أصرّوا عليه بالنسبة للجنة التأسيسية للدستور. والعلاقة بينهم وبين حكومة الجنزوري والمجلس العسكري مثل الرسم البياني تصعد أحياناً وتهبط في أحيان أخرى من دون أن يمس ذلك قدرات «الإخوان» في التأثير أو النفوذ. وعلى ذلك يمكن استخلاص أن الجماعة نجحت في إدارة «معاركها» مع الأطراف الأخرى، لكنها ارتبكت حين كانت المعركة داخلها. المؤكد أن القوى الأخرى التي ترى أن الثورة أفضت إلى فوز الإسلاميين بكعكتها ستترجم خطوة ترشح الشاطر على أنها رغبة من «الإخوان» في إقصاء التيارات الأخرى، فبعد البرلمان بغرفتيه ثم اللجنة التأسيسية للدستور والحكومة في الطريق بات الدور على الرئيس... لكن الأرجح أن يبقي «الإخوان» على الشعرة التي تربطهم بمنافسيهم بأن يتراجعوا عن فكرة طرح الشاطر كرئيس... لكن ستبقى معضلتهم من سيكون البديل؟