قلبت جماعة «الإخوان المسلمين» الطاولة على الجميع في مصر، ولم تستبعد الدفع بمرشح للرئاسة في الانتخابات المقررة في أواخر ايار (مايو) المقبل، في موقف مثَّل تغيراً نوعياً في استراتيجية الجماعة التي كانت تعهدت عدم طرح مرشح رئاسي، وكانت تركز على ترؤس الحكومة المقبلة. وعلمت «الحياة» أن الجماعة تتجه إلى التراجع عن قرارها السابق بعدم الدفع بمرشح للرئاسة، وأن مشاورات وتباينات داخلية تجري داخل الجماعة التي تملك الأكثرية النيابية نحو الدفع بنائب المرشد العام خيرت الشاطر في اللحظات الأخيرة، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية التي كانت تترقب إعلان الجماعة دعمها لمرشح ليس عضواً فيها. وكشف قيادي بارز في «الإخوان» ل «الحياة» أن «التيار السلفي يضغط منذ فترة على قيادات الجماعة للدفع بالشاطر، ما زاد من الضغوط على شيوخ الإخوان». وأشار إلى أن هناك «خلافات داخلية في شأن مسألة اختيار المرشح الرئاسي للإخوان، إذ إن هناك اتجاهين الأول يتزعمه المرشد السابق مهدي عاكف ويرى عدم الدفع بمرشحين من الجماعة واختيار أحد المطروحين على الساحة لدعمه، لكن هذا الاتجاه أمام أزمة اختيار مرشح بديل خصوصاً أن كل الأسماء المتداولة في الساحة لا تحظى بثقة قادة الجماعة». أما الاتجاه الثاني «فيضغط باتجاه الدفع بالشاطر للمنافسة على مقعد الرئاسة لكنه أمام أزمة هو الآخر، تكمن في أنه سيكون من بين أربعة مرشحين ينتمون إلى التيار الإسلامي (الشاطر، وسليم العوا، وعبدالمنعم أبو الفتوح، وحازم صلاح أبو إسماعيل) سيتنافسون على الكتلة التصويتية للإسلاميين، ما يؤدي إلى تفتيت الأصوات، ويسمح بمرور منافس لهم، لكن هذا الاتجاه يعتمد على تأكيدات السلفيين بأنهم سيقفون مع الشاطر في حال اختياره ما يعني أن الشاطر سيكون مرشح الإخوان والسلفيين في هذه الحال». غير أن المصدر أكد أن «الشاطر نفسه يرفض في شدة الترشح للرئاسة ويقف في صف الممانعين للدفع به مرشحاً إخوانياً». ونقل عنه قوله لقيادات «الإخوان»: «هل تريدون أن تأخذوني من الدار إلى النار؟»، وهو مثل شعبي يشير إلى جسامة المسؤولية. وإذا ترشح الشاطر على مقعد الرئاسة، سيمثل الأمر تغييراً نوعياً في استراتيجية «الإخوان» بعد الثورة، كما أنه سيحرج الجماعة أمام الرأي العام، خصوصاً بعد خروج كل قياداتها، وفي مقدمها المرشد العام محمد بديع، لتشدد وتهدد كل المخالفين لقرارها بعدم الدفع بمرشحين، ما سيسمح برفع نبرة الانتقادات التي تُوجَّه إلى «الإخوان»، كونها تتلاعب بالرأي العام وتسعى إلى السيطرة على مفاصل الدولة. في المقابل، فإن الأمر قد يقلب الطاولة في وجه شيوخ «الإخوان» أيضاً في حال خسر الشاطر الانتخابات، إذ إن هذا سيكشف الحجم الحقيقي ل «الإخوان» في الشارع، ما يؤدي إلى إنهاء فرضية أن غالبية المصريين يفضلون أسلمة الدولة. من جهة أخرى، ستكون لقرار «الإخوان» تبعات دولية، إذ إنه سيفرض على الجماعة تغييرات نوعية أخرى في استراتيجيتها، في مقدمها العلاقة مع إسرائيل، بعدما كانت تفضل ترك منصب الرئيس لشخصية من خارجها حتى لا يفرض عليها لقاء مسؤولين إسرائيليين. وعقد أمس مكتب إرشاد «الإخوان» اجتماعاً «عاصفاً» ناقش الانتخابات. ولم يستبعد الناطق باسم الجماعة محمود غزلان الدفع بمرشح رئاسي. وقال ل «الحياة» إن «قضية الرئاسة كانت الشغل الشاغل للاجتماع»، وأقرَّ بحصول خلافات، لكنه عزاها إلى أن «كل الجماعات والمؤسسات يكون في داخلها تباين للرؤى»، مشيراً إلى أنه نظراً إلى هذه الخلافات «قرر مكتب الإرشاد أن يحيل الأمر على مجلس شورى الجماعة (السلطة التشريعية للإخوان) في اجتماعه المقرر الجمعة (غداً)، وكل الاحتمالات مفتوحة».