تجدد الصراع في إسرائيل بين اليهود العلمانيين والمتدينين المتزمتين (الحرديم) على خلفية الإعفاء القانوني (منذ عام 2002) من الخدمة العسكرية الإلزامية لثلاث سنوات والذي يحصل عليه «الحرديم» مع بلوغهم الثامنة عشرة بداعي أن «توراتهم إيمانهم»، فيلتحقون بالمدارس الدينية التي تحظى بموازنات حكومية هائلة، خصوصاً في مجالات الإسكان والتعليم، بفضل مشاركة الأحزاب الدينية في الائتلافات الحكومية لتكون «بيضة القبان» فيها. وكان مفروضاً أن تبحث الحكومة في جلستها الوشيكة الأحد المقبل اقتراح وزير الدفاع إيهود باراك تمديد قانون الإعفاء (المعروف ب «قانون طال») لفترة أخرى إلى حين البت نهائياً في هذه المسألة الشائكة، بينما عارض ذلك حزب «إسرائيل بيتنا» العلماني المتطرف بزعامة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي كرر اتهاماته ل «الحرديم» بأنهم يحصلون على امتيازات حكومية من دون أن يقدموا شيئاً للدولة. وفاجأ رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو أمس الجميع بإعلانه عدم طرح الموضوع على جدول أعمال الحكومة، كما كان مقرراً، وتحويله على الكنيست لتمديده (خلال بحثه الصيف المقبل)، وهو ما أثار غضب «إسرائيل بيتنا» وجهات علمانية كثيرة اتهمت نتانياهو بتفضيل مصالح ائتلافه الحكومي (عدم إغضاب شركائه المتدينين وزعزعة الائتلاف) على مصلحة الدولة، فيما اتهمه نواب «كديما» المعارض بالتهرب من تحمل المسؤولية ودحرجتها على الكنيست. وتعود مسألة إعفاء «الحرديم» من الخدمة الإلزامية إلى تسعينات القرن الماضي حين قرر وزير الدفاع في حينه (الحالي) إيهود باراك إعفاء الشباب المتدينين الذين يعلنون أن «توراتهم إيمانهم» من الخدمة العسكرية الإلزامية، فتدخلت المحكمة العليا عام 1998 وأوضحت أن وزير الدفاع ليس مخولاً وضع ترتيب خاص بإعفاء جارف للشباب المتدينين من الخدمة العسكرية، ومنحت الحكومة مهلة لتسن قانوناً يشمل شروطاً واضحة لمنح الإعفاء. وبناء للقرار، أقيمت لجنة خاصة برئاسة القاضي المتقاعد تسفي طال قدمت توصيات اعتمدتها الكنيست عام 2002 في قانون سنّته قضى بألا يكون الإعفاء جارفاً، انما مشروطاً، على أن يقوم المعفى بعد إنهاء دراسته إما بخدمة عسكرية مختصرة ل 16 شهراً (بدلاً من ثلاث سنوات) أو الخدمة المدنية (مجاناً) لمدة عام. وطبقاً للأرقام، فإن هذا القانون زاد من حدة المشكلة، إذ أتاح ل «الحرديم» التهرب من الخدمة العسكرية. وقُدِّر عدد المعفيين والمتهربين الذين أعلنوا أن «إيمانهم توراتهم»، عام 2010 بستين ألفاً، أي ما يعادل نحو 20 في المئة من مجمل الملزمين الخدمة العسكرية، فيما لم تتعدَّ النسبة عام 1999 (قبل سريان القانون) 9 في المئة. وكانت جهات علمانية لجأت مرة أخرى، قبل سبع سنوات، إلى المحكمة العليا ضد القانون بداعي ان الإعفاء يميز بين المواطنين ويزيد من العبء الاقتصادي والأمني على سائر شرائح المجتمع الإسرائيلي. وأقرت الحكومة في ردها للمحكمة بأن القانون فشل فعلاً في تشجيع تجنيد «الحرديم» حتى للخدمة المدنية، لكنها طلبت من المحكمة مهلة لتصحيح القانون. وفي قرارها، كتبت المحكمة أن القانون «يتعارض فعلاً وكرامة الإنسان الذي يخدم في الجيش ويمس بحقوقه»، لكن المحكمة اختارت أن تمنح الحكومة مهلة أخرى «لتصحيح الغبن». ومددت الكنيست عام 2007 القانون لخمس سنوات أخرى تنتهي الصيف المقبل من دون أي تغيير على مضمونه. وتظاهر في اليومين الأخيرين العشرات من الشباب العلمانيين الذين رفعوا شعارات ضد «التمييز اللاأخلاقي»، ودعوا إلى وضع «قانون يتسم بالمساواة بين جميع الملزمين الخدمة العسكرية». وأقام عشرات الشباب العلمانيين الذين يطلقون على أنفسهم «معسكر المغفّلين» خيمة اعتصام في تل أبيب احتجاجاً على إعفاء «الحرديم» من الخدمة العسكرية. ويهدد شباب سيبلغون الصيف المقبل سن الجندية بالإضراب في حال تواصَل إعفاء «الحرديم» من الخدمة.