استمعنا باهتمام في منطقة الخليج العربي وعموم العالم العربي إلى خطاب الرئيس الأميركي يوم الرابع من شباط (فبراير) أمام اللجنة الأميركية – الإسرائيلية للعلاقات العامة (ايبك)، إذ تمثل هذه المؤسسة أهم وأقوى جماعة ضغط يهودية - إسرائيلية في الولاياتالمتحدة. وخلال الثلاثين سنة الماضية حرص الرؤساء الأميركيون على حضور المؤتمر السنوي للمؤسسة، وإلقاء خطاب مطول أمام مؤتمرها. وقد جرت العادة أن تكون خطابات الرؤساء الأميركيين أمام المؤتمر السنوي ل «ايبك» من أهم الخطب لنا كعرب، لكونها مخصصة في الغالب كمناسبة يحدد الرئيس خلالها معالم السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وفي خطابه الأخير، تناول الرئيس باراك أوباما قضايا شرق أوسطية متعددة، ولكن الجزء الأساسي من الخطاب تركز على قضية البرنامج النووي الإيراني. فقد وصف قضية الملف النووي الإيراني بأنها القضية التي تعشّش في تفكير الجميع. وقد أشار إلى قلقه الشخصي من الحديث الكثير الذي يدور الآن حول احتمالات الحرب ضد إيران، ووصف هذا الحديث بكونه «كلاماً غير منضبط» ولا ينفع إلا مصالح الفئة الحاكمة في إيران، ويؤدي إلى إرباك في أسواق النفط العالمية وإلى ارتفاع غير ضروري للأسعار. في الوقت نفسه ذكّر الرئيس بأن مبدأه في التعامل يقوم على الاستدلال بنصيحة الرئيس الأميركي تيدي روزفلت التي تقول «احمل عصا غليظة، وتحدث بلطف». ونصح القيادة الإيرانية بأن تتفهم فلسفته هذه. وأشار إلى أنه بطبيعته يفضل السلام على الحرب، وأنه سيذهب إلى الحرب، من دون تردد، إذا جعلت الظروف والتوقيت من خيار الحرب خياراً ضرورياً. وأكد إيمانه بأنه لا يزال هناك هامش للوسائل الديبلوماسية المدعومة بالضغوط على النجاح في حل أزمة الملف النووي الإيراني، جازماً بأن التخمينات الأميركية - الإسرائيلية تشير إلى أن إيران لم تمتلك السلاح النووي حتى اليوم، وأن مسيرة برنامجها النووي تخضع للتقييم الدوري من جانب الدولتين. قام الخطاب على تأكيدات متكررة أعلن من خلالها الرئيس تعهداً غير قابل للتراجع أو المساومة بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. مؤكداً أنه يعني ما يقول، وأن كل الخيارات ستكون متوافرة، وأن جميع عناصر القوة الأميركية سيتم تجنيدها وتوظيفها لتحقيق هذا التعهد، وأن هناك جهوداً عسكرية قائمة بهدف الاستعداد للتعامل مع حالة الطوارئ في هذا المضمار. وطلب من القيادات الإيرانية أن تتفهم أن سياسته في هذه القضية لن تقوم على العمل على «احتواء إيران النووية»، بل تقوم على «منع إيران من الحصول على سلاح نووي». ملاحظات «عربية» الجديد والمهم في خطاب الرئيس من وجهة نظرنا كعرب هو: أولاً: أن خطاب الرئيس أشار إلى حدوث تغيّر صريح في موقف الإدارة الأميركية. ففي تموز (يوليو) 2010 صدر تصريح خطير عن وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون أثار قلق الدول الخليجية، إذ تحدثت فيه عن استعداد الولاياتالمتحدة لتوفير «مظلة دفاعية»، وتعني هنا حماية أو «مظلة نووية»، لدول الخليج العربي في حال نجاح إيران في تطوير أسلحة نووية وامتلاكها. وقد فهم هذا التصريح بكونه إشارة إلى إمكان تعايش الولاياتالمتحدة مع إيران النووية، أو أن الولاياتالمتحدة تعتبر امتلاك إيران السلاح النووي أمراً حتمياً، لذا فإن سياسة الولاياتالمتحدة تقوم على أساس العمل على «احتواء» إيران النووية بدلاً من سياسة «المنع» من امتلاكها السلاح النووي. لذا جاء خطاب الرئيس ليصحح مسار السياسة الأميركية ويؤكد التزام الولاياتالمتحدة مبدأ «المنع» لا مبدأ «الاحتواء». ثانياً: اعترف الرئيس «بالحق السيادي» لدولة إسرائيل في اتخاذ قراراتها الذاتية بخصوص ما هو مطلوب ومبرر لحماية أمن الدولة، ونصح القيادات الإيرانية بعدم التشكيك في هذا الأمر. وعلى رغم أن الإشارة إلى هذا الموضوع كانت مقتضبة، فإن الرئيس قد أشار إلى احتمال قيام إسرائيل بمهاجمة منشآت البرنامج النووي الإيراني، بناء على حسابات إسرائيلية تخص أمن الدولة وسلامتها. ثالثاً: إن الرئيس اعترف بأن امتلاك إيران السلاح النووي ستكون له تأثيرات سلبية وهدامة على سياسة منع الانتشار النووي الدولية. وأشار إلى «اليقين التام» بأن امتلاك إيران السلاح النووي سيقود إلى إجبار الدول الأخرى في المنطقة على تطوير السلاح النووي وامتلاكه، وهذا يعني انطلاق سباق تسلّح نووي إقليمي في منطقة تعد الأقل استقراراً في العالم. رابعاً: ما هو مقلق وجدير بالاهتمام في خطاب الرئيس، كان حديثه عن «السلاح» النووي الإيراني، واحتمال حصول إيران على «السلاح» النووي. ولكل متخصص في هذا الأمر فإن قضية التسلّح النووي تأتي في شكلين أساسيين: الأول قيام الدولة بجهود تطوير، وعملية الإنتاج الفعلي للقنابل النووية، وامتلاكها الفعلي «للسلاح» النووي. والثاني هو عمل الدولة على تطوير السلاح النووي، من دون إنتاج القنبلة النووية، وهذا ما يسمى امتلاك «القدرات» النووية العسكرية. والفارق بين الخيارين أن الأول يضمن وجود «القنابل» النووية في مستودعاتها ومواقع الخزن جاهزة للاستخدام، وهو خيار «القنبلة في المستودع». أما الخيار الثاني فيضمن توافر كل القدرات وإنتاج الأجزاء المطلوبة لصناعة القنبلة، من دون اتخاذ القرار بإنتاجها الفعلي، ويسمى هذا الخيار «القنبلة على الرف»، إذ يتم تركيب أجزائها وإنتاجها فعلياً في وقت الضرورة وخلال فترة قصيرة. وعملياً لا يوجد فارق كبير بين الخيارين. فامتلاك الدولة القدرات النووية العسكرية يعني قدرتها على امتلاك السلاح النووي في أي وقت تشاء. ويُظنّ أن إيران تسعى الى تطوير الخيار الثاني المتمثل ب «القدرات» النووية وتبنّيه، وليس الخيار الأول المتمثل ب «القنبلة» الفعلية. إذ إن هدف إيران قد يكون ضمان امتلاك «القدرات» النووية وتجنب تصنيفها بأنها دولة نووية، أو كونها تمتلك السلاح النووي بشكل فعلي. أشار أوباما في خطابه إلى «السلاح» النووي الإيراني خمس مرات، ولم يتناول أو يذكر أي إشارة إلى الاحتمال الثاني «القدرات» النووية. وانصبت تعهداته على «منع» إيران من امتلاك «السلاح» النووي. وأشار إلى أن تسوية الأزمة تكون عبر تخلي القيادات الإيرانية عن هدف امتلاك «السلاح النووي». والسؤال الحاسم هنا: هل إن الرئيس الأميركي ركز اهتماماته وتعهداته على «السلاح» النووي بشكل متعمد، وأهمل قضية «القدرات» النووية. أم أن الأمر كان خطأ في استخدام المصطلحات المعتمَدة في هذا المجال؟ هذا سؤال سيبقى مطروحاً أمام الإدارة الأميركية ويستوجب التوضيح. * المستشار الأول، مدير قسم الدراسات الأمنية والدفاعية، مركز الخليج للأبحاث [email protected]