تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات حرباً باردة متصاعدة بين إسرائيل وإيران، حيث يحاول كلا البلدين أن يفرض نفوذه وسيطرته في المنطقة. ولعل من أهم الملفات التي يرتكز عليها الصراع بين البلدين هو الملف النووي الإيراني، حيث تسعى إسرائيل جاهدة، وبمساعدة حثيثة من المجتمع الدولي، إلى وقف البرنامج النووي الإيراني ومنع طهران من امتلاك السلاح النووي بأي ثمن. وقد نشرت مؤسسة "راند" الأميركية للأبحاث دراسة مؤخراً تناولت التنافس والصراع بين البلدين وما قد يؤدي إليه هذا الصراع. وكان من أهم ما توصلت إليه الدراسة الأمور التالية: • التنافس الإسرائيلي-الإيراني قد يقود إلى مواجهة عسكرية مباشرة: بعد أن كان البلدان في مرحلة من المراحل، خاصة في أيام حُكم الشاه قبل الثورة، حليفين يجمعهما الكثير من المصالح المشتركة، تعتبر كل من إسرائيل وإيران، الأخرى منافسة لها على السُلطة والنفوذ في المنطقة، فالحكومة الإيرانية تعتبر إسرائيل منافساً إقليمياً يعمل على التقليل من نظامها الثوري؛ فيما ترى إسرائيل أن إيران تمثل التحدي الأمني الأكبر لها وتشكِّل مخاطر إستراتيجية وإيديولوجية عليها كدولة يهودية أيضاً. المخاوف الإسرائيلية من أن الانتفاضات العربية قد تفيد إيران وتعزز نفوذها الإقليمي، مع أن حقيقة نفوذ إيراني قوي أمر مشكوك فيه. • ظهور إيران النووية في المستقبل قد يزيد احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين: قد تلجأ إسرائيل لتنفيذ ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية في محاولة لإجهاض أو تأخير مثل هذا التطور. وقد ترى إيران النووية أن إسرائيل هي منافستها الإقليمية الرئيسية وتظهر قدراتها النووية في حال نشوب صراع مسلح. حتى لو لم تكن إيران تنوي استخدام أسلحة نووية ضد إسرائيل، احتمالات الحسابات الخاطئة وتصعيد الأزمات الإقليمية تبقى مرتفعة. وقد يقود انعدام التواصل المباشر بين البلدين لسوء تفسير المؤشرات والارتباك بخصوص نوايا الطرف الآخر والخطوط الحمراء. حتى أولئك المتفائلين حول قدرة إسرائيل وإيران على إيجاد علاقة ردع نووي مستقرة بينهما، قد يجدون أن تطوير مثل هذه العلاقة سيحتاج إلى وقت طويل نسبياً. يمكن القول إن هذه الفترة الانتقالية خطيرة بشكل خاص. • رغم العداء الحالي، لم تكن إسرائيل وإيران عدوين دائماً: إسرائيل وإيران ليستا دولتين متنافستين بشكل طبيعي وليس مقدراً عليهما أن تكونا في صراع دائم. بالفعل، هاتان القوتان الإقليميتان ليس بينهما خلافات حدودية ولا تتنافسان اقتصادياً. كل بلد من البلدين استطاع أن يحافظ تقليدياً على مناطق مصالحه، والحكومات العربية لا تثق بأي منهما. العلاقات بين البلدين كانت تعتمد غالباً على المصالح الجيوسياسية المشتركة، وأدى هذا إلى سنوات من التعاون بينهما قبل وبعد ثورة 1979 في إيران. آخر ملوك إيران، الشاه محمد رضا بهلوي، كان يُعتبر التحالف الواقعي مع إسرائيل عامل توازن مع جيران إيران العرب. إيران وإسرائيل كانتا تعتبران صدام حسين أكبر عائق أمام مصالح كل منهما في الأمن القومي. كانت إيران تحتاج بشدة إلى أسلحة حديثة خلال حربها مع العراق؛ واستطاعت أن تحصل عليها عن طريق إسرائيل فيما أصبح يعرف بفضيحة "إيران-كونترا"، ويعود هذا إلى الاعتقاد الإسرائيلي بأن الدول غير العربية، مثل إيران، يمكن أن تواجه أعداء إسرائيل. بعض قادة إيران بعد الثورة أيضاً اتبعوا سياسات براجماتية نحو إسرائيل. هذا كان الحال بشكل خاص خلال رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989-1997) و محمد خاتمي (1997-2005). هذان الرئيسان كانا يهدفان لإصلاح الاقتصاد الإيراني والنظام السياسي من خلال تقليص عزلة إيران الدولية، مما أدى إلى إشارات بتخفيف حدة التوتر مع إسرائيل، لكن هذه المحاولات قوبلت بمقاومة من قبل تيارات إيرانية تعارض أي تقارب مع إسرائيل، وكذلك تجاهل قادة إسرائيل مثل هذه المؤشرات من الإصلاحيين الإيرانيين. • حالة التنافس المباشر بين إسرائيل وإيران لم تتطور إلا في العقد الماضي: حتى مرحلة التسعينات، لم تكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعتبر إيران التحدي الأساسي بالنسبة لها، لكن الإسرائيليين يرون جميع التهديدات الإقليمية التي يتعرَّضون لها الآن من خلال إيران. رؤية إسرائيل للخطر الإيراني تنبع جزئياً من توسُّع القدرات الصاروخية الإيرانية والتطور النووي. كما تقلق إسرائيل من ازدياد النفوذ الإقليمي الإيراني بشكل يضر بمصالحها ويهدد الاستقرار في الجوار الإسرائيلي. كما يقلق القادة الإسرائيليون من أنه إذا حصلت إيران على السلاح النووي فإن ذلك سيزيد بالتأكيد من نفوذها، مما يحد كثيراً من قدرة المناورة الإسرائيلية والأميركية من الناحيتين السياسية والعسكرية في المنطقة. ولقد زاد صعود المتشددين الإيرانيين وتيرة العداء نحو إسرائيل بسبب تطورات النظام السياسي الإيراني، بما في ذلك زيادة قوة الحرس الثوري والمتشددين في عهد الرئيس أحمدي نجاد، كما أن التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي زادت من حدة التنافس بين البلدين. أزاح الغزو الأميركي للعراق عام 2003 عدواً مشتركاً لكل من إسرائيل وإيران، وبدأت إيران ترى نفسها القوة الصاعدة في الشرق الأوسط، وهي نفس الرؤية التي تحملها إسرائيل عن نفسها. أحداث أخرى مثل حرب صيف 2006 بين إسرائيل وحزب الله اللبناني –التي برز فيها تأثير التكتيك والأسلحة الإيرانية ضد إسرائيل- عززت اعتقاد إيران بأنها قوة إقليمية عظمى. وزادت الانتفاضات العربية خلال عام 2011 من قلق إسرائيل، مع أن تلك الاضطرابات أوجدت أيضاً نقاط ضعف وقيوداً على النفوذ الإيراني أيضاً. كما زاد المشهد الإقليمي الجديد مخاوف إسرائيل من استمرار الاختراق الإيراني في المناطق المتنازع عليها –خاصة غزة ولبنان- ومن الرؤية الإيرانية للولايات المتحدة على أنها قوة في طريقها للانحدار. • الخلافات تظهر داخل المجتمع الإستراتيجي في إسرائيل حول فائدة الخيار العسكري ضد إيران: هناك تقديرات مختلفة حول التكاليف والفوائد من ضربة عسكرية ضد إيران بين المحللين الأمنيين والمسؤولين الإسرائيليين. يعتقد الذين يؤيدون الخيار العسكري أن النتائج السياسية والعسكرية لمثل هذه الضربة تستحق المخاطرة حتى لو كان ذلك سيؤدي لمجرد تأخير البرنامج النووي الإيراني. ويعتقد الذين يعارضون الخيار العسكري أنه قد يقود إلى حرب إقليمية واسعة دون أن يؤثِّر ذلك على البرنامج النووي الإيراني. الرؤية الإسرائيلية لفعالية العقوبات الاقتصادية والنشاطات الجاسوسية والتخريب وموقف الولاياتالمتحدة من القضية يمكن أن تؤثر جميعها على الحوار الداخلي. وإذا حصلت إيران في المستقبل على السلاح النووي، خاصة إذا جعلت ذلك أمراً علنيا، قد تعيد إسرائيل موقفها الغامض من قدراتها النووية. وقد تسعى إسرائيل أيضاً للحصول على ضمانات أمنية إضافية من الولاياتالمتحدة. • ظهور نظام جديد في إيران يمكن أن يعيد تشكيل الصراع: إن وصول مجموعة مختلفة من القادة الإيرانيين يحملون نظرة أقل عدائية لإسرائيل قد يقلل حدة الصراع بين البلدين. ويمكن أن تقود المصالح السياسية والاقتصادية للمحافظين الإصلاحيين إلى تقليص حدة التوتر إذا وصلت هذه الجماعات إلى السُلطة في إيران في المستقبل. قد يجنب البروز المحتمل لنظام علماني ديموقراطي في إيران الحاجة إلى استمرار التنافس مع إسرائيل. وفي المقابل، العسكرة الكاملة للسياسة الإيرانية تحت الحرس الثوري يمكن أن تقود إلى ارتفاع حدة التوتر وتزيد احتمالات لجوء إيران إلى المغامرة. التوصيات المتعلقة بالسياسة تستطيع الولاياتالمتحدة أن تدير التنافس الإيراني-الإسرائيلي باتباع سياسات تسعى لتجنب الصراع العسكري المباشر بين البلدين. ويمكنها أن تفعل ذلك من خلال الاستمرار في السياسات التي تركِّز على المنع والاستعداد. فيما يخص إسرائيل، هذا يعني ثني إسرائيل عن الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية وتعزيز القدرات الإسرائيلية استعداداً لمستقبل تكون إيران قد حصلت فيه على السلاح النووي. وبالنسبة لإيران، هذا يعني استمرار سياسات ثني إيران عن تحويل برنامجها النووي إلى برنامج عسكري وفي الوقت نفسه الاستعداد لردع إيران في حال امتلاكها للسلاح النووي إذا فشلت هذه الجهود. وبشكل خاص، على الولاياتالمتحدة أن: - تتجنب ممارسة ضغوط علنية على إسرائيل. مثل هذه الضغوط قد يكون لها تأثير عكسي في البيئة الحالية، حيث يسود إحساس إسرائيل بالعزلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحول الرأي العام الإسرائيلي ضد الولاياتالمتحدة ويسمح لبعض قادة إسرائيل باتخاذ مواقف أكثر تحدياً. - تحاول بهدوء التأثير على الجدل الإسرائيلي الداخلي حول فائدة الضربة العسكرية. والولاياتالمتحدة لها مصلحة في دعم الأصوات التي تقف ضد الخيار العسكري، الذي سيؤثر سلباً على المصالح الأميركية ويجعل احتواء النفوذ الإيراني أكثر صعوبة في المستقبل. يمكن مثلاً عقد ندوات سرية بين وكالات الاستخبارات الأميركية والوكالات الأمنية الإسرائيلية لشرح بواعث القلق الأميركي والمخاطر المحتملة من خيار الضربة العسكرية. العلاقات العسكرية المباشرة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة ستبقى قناة هامة لمحاولات التأثير على الجدل في الداخل الإسرائيلي. - تستمر في تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، وأن تقوم بهذه الممارسات بشكل يراه الرأي العام الإسرائيلي. مثل هذا التعاون هام ليس فقط في إطار محاولات منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ولكن أيضاً في المساعدة على الإعداد للمستقبل في حال فشل هذه المحاولات. جعل التعاون الأمني الإسرائيلي-الأميركي أكثر علانية أمام الرأي العام الإسرائيلي قد يساعد على تهدئة مخاوفهم من العزلة ويجعلهم أقل تقبلاً للقادة الإسرائيليين الذين يقفون في وجه أفضليات السياسة الأميركية. تشجيع القادة الإسرائيليين والصحفيين على الحديث أكثر حول التعاون الأمني يمكن أن يكون مفيداً في هذا المجال. - تقيم نشاطات تزيد الوعي حول كيفية تطوير علاقات ردع بين إسرائيل وإيران. واستمرار المناورات العسكرية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل يمكن أن يساعد على تطوير واستكشاف سيناريوهات مختلفة للصراع بين إسرائيل وإيران. مثل هذه المناورات بداية هامة لفهم كيفية تطور العلاقة النووية الإسرائيلية-الإيرانية وأنواع الأعمال العسكرية والسياسية التي من شأنها أن تزيد أو تقلص احتمالات الصراع. - تشجع على التواصل المباشر بين الإسرائيليين والإيرانيين من خلال الحوار الثنائي. فمن مصلحة كل من إسرائيل وإيران مع الوقت ألا ينشب صراع نووي مسلح بينهما في حال حصول إيران على السلاح النووي. مثل هذا التواصل لن يكون ممكنا على المستويات الرسمية في المستقبل القريب، لكنه ممكن من خلال قنوات غير رسمية بين خبراء أمنيين إسرائيليين وإيرانيين، وذلك برعاية مؤسسات غير حكومية أميركية وأوروبية. - الاستمرار في سياسة العقوبات التي قد تؤثر على الجدل في الداخل الإيراني حول عسكرة البرنامج النووي. القادة الإيرانيون ليسوا عازمين بالضرورة على عسكرة البرنامج النووي، وقد تكون إيران مهتمة بتطوير الخبرة والبنية التحتية لتجميع الأسلحة النووية، لكنها قد تقرر الحفاظ على برنامجها النووي ضمن العالم الافتراضي. تعتمد قرارات إيران على حسابات الربح والخسارة التي تؤثر عليها الضغوط الأميركية وربما الإغراءات الإيجابية. - تدرس سيناريوهات مستقبلية يتغير فيها النظام الإيراني الحالي بشكل كبير. يبدو أن المتشددين الإيرانيين قد عززوا قوتهم بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009، لكن النظام لا يزال يعاني من تصدعات حادة ويواجه نقاط ضعف حساسة، بما في ذلك عدم رضا واسع وتعمق الانشقاقات الداخلية. السيطرة على النظام السياسي من قِبل، إما الحرس الثوري أو قوى أكثر ديموقراطية مثل الحركة الخضراء، احتمال بعيد المدى. كل سيناريو قد يعيد تشكيل التنافس الإيراني-الإسرائيلي والسياسة الأميركية بشكل هام، ولذلك على الولاياتالمتحدة ألا تركز فقط على البرنامج النووي الإيراني، بل عليها أيضاً أن تنتبه أكثر لقضايا مثل انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. هذا يعطي مؤشراً للشعب الإيراني وحُكام إيران المحتملين في المستقبل بأن الولاياتالمتحدة تهتم بإيران كأمة وليس فقط كمشكلة تحتاج إلى حل.