احتفالاً بالذكرى المئة والخمسين لميلاد شاعر الهند العظيم رابندرانات طاغور، أحيا مسرح سيد درويش في دار الأوبرا في الإسكندرية، ذكراه في حضور سفير الهند لدى مصر آرسو سوميناثان الذي أعرب عن سعادته بمشاركة الإسكندريين الذين أصروا على الحضور بكثافة، على رغم الطقس السيئ. ولفت سوميناثان إلى أن «هذه الحفلات محاولة جيدة لردم الهوة بين الحضارات وتجاوزها نحو فهم أعمق للشرق وحضاراته وتشكيله الثقافي، فاستدعاء التاريخ والثقافة والفنون القديمة مهم جداً من أجل الاستفادة من تنوير وعي التعاون الإنساني حتى يتحقق الوفاق والسلام والتعاون، وهو ما دعا إليه طاغور». كما أثنى على ما حققته ثورة «25 يناير» المصرية. استحضر الحضور سحر الشرق القديم بغموضه الآسر وروحانياته المدهشة وتوابله الحارة حيث رائحة الزمن والتاريخ رطبة حيّة تعبق في جنبات العروض التي قدمتها فرقتا «سوميترا جوها» و «كابيري تشاتيرجي». وسوميترا هي إحدي المغنيات الكبار في الهند اللواتي يقدمن الأغاني الدينية التي تصاحبها الموسيقى الهندوستانية الكلاسيكية الخاصة في شمال الهند. وقدمت في حفلة الإسكندرية مع فرقتها التي تتكون من 4 عازفين، أغنيات ألّفها طاغور منها «رابيندرا سانجيت» و «جانا غانا مانا» وعدد من الموشحات بمصاحبة الموسيقى الكلاسيكية الهندوستانية بما في ذلك شكل نمط موسيقى الراجا. أما فرقة الراقصة كابيري تشاتيرجي والتي حصلت على الدكتوراه في فنون الرقص المانيبوري الكلاسيكي من جامعة فيسفا بهاراتي التي أنشأها طاغور، فقدمت لوحات راقصة تقليدية هندية صاحبت موسيقى هندوسية ألفها طاغور. تمايلت الراقصات بأزيائهن التقليدية في تماهٍ، فتعانقت الألوان البراقة الزاهية مع روائح التوابل الدرامية التي أضافها طاغور للحركات الاستعراضية التي ميّزت العرض والتي تنتمي إلى أسلوب الرقص الذي ابتكره طاغور وأطلق عليه اسم «رابندرانيثيا»، ما أبهر الجمهور. واختتمت الحفلة بالمسرحية الراقصة «شياما» وهي مأساة رومانسية كلاسيكية مستلهمة من ولاية البنغال، ألفها طاغور عام 1939 وكانت آخر عمل يقدمه للمسرح. وتُمثل «شياما» مزيجاً فريداً من الغناء والرقص والألوان والحركات الراقصة، إذ تقوم فيها كابيري تشاتيرجي بأداء دور البطلة «شياما» وهي راقصة في البلاط تقع في حب تاجر أجنبي يُسجن ظلماً ويواجه تهديداً بتوقيع عقوبة الإعدام عليه. يذكر أن رابندراناث طاغور (1861 - 1941) شاعر وفيلسوف بنغالي متدين من البراهما وهو فنان بصري، كاتب مسرحيات وروائي ومؤلف موسيقي. أعادت أعماله تشكيل الأدب بأجناسه المختلفة في الشرق. ويُعد أيقونه الثقافة الهندية كونه مزج التقاليد الهندية العريقة بالغربية الحديثة في جامعته «فيشقا» في بهاراتيا التي أنشأها عام 1921 لنشر فلسفته ورؤاه الفكرية. قدم طاغور للتراث الإنساني، أكثر من ألف قصيدة و25 مسرحية و8 مجلدات قصصية وعشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية. وإلى جانب الأدب، احترف طاغور الرسم والموسيقى، فقدم أكثر من ألفي أغنية، اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنغلادش. ومن أهم أعماله كهيا ونايفيديا وديوان (سونار تاري) القارب الذهبي و (جيتانجالي) القربان الشعري والتي حصل من خلالها على جائزة نوبل في عام 1913، ليكون بذلك أول من نال هذه الجائزة العريقة، في الشرق. وهذه الحفلة التي أحيت ذكراه هي واحدة من سلسلة حفلات قدمتها الفرقتان في الإسماعيلية والجيزة وبني سويف. وهي المرّة الأولى التي يشاهد فيها الجمهور المصري أعمالاً درامية للشاعر الهندي العالمي طاغور.