بدأ القضاء في السعودية يعمل بكل قوة لإرساء الشفافية، والاستجابة السريعة للحراك الحكومي والحقوقي الهادف إلى تطوير مرفق القضاء، الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، من خلال البدء في «علنية» الجلسات القضائية في قضايا كارثة سيول جدة. وأكد المحامي عبدالعزيز الزامل أن الأصل في الجلسات القضائية هو «العلنية»، مشيراً إلى أن علنية الجلسات يؤكد استقلال القضاء وحياده. وأشار الزامل إلى أن جميع التشريعات العالمية نصت على مبدأ علنية الجلسات، مؤكداً أن الكثير من البلدان في العالم تكون الجلسات فيها إعلامية بحضور وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وتكون هناك شفافية في إعطاء المتهمين حق الدفاع بالوقت الكافي. وأضاف أن الجلسات العلنية فيها زجر لأصحاب النفوس الضعيفة لمن يقوم بارتكاب أي فعل من الأفعال، مشيراً إلى أن الشخص عندما يعلم أنه سيتعرض لمحاكمة علنية سيرتدع قبل الفعل. من جانبه، قال المحامي وعضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً الدكتور إبراهيم الابادي إن نظام المرافعات الشرعية تناول ذلك الأمر في المادة ال61، وأن قرار قاضي المحكمة الإدارية في محافظة جدة جاء وفقاً للنظام، مشيراً إلى أن السماح لوسائل الإعلام والمواطنين من الراغبين لحضور جلسات محاكمة السيول جاء وفقاً لرؤية القاضي، التي استند فيها إلى النظام السعودي. وشدد على أن مثل هذه القرارات الخاصة بعلنية الجلسات يأتي من منطلق أن تظل قاعة المحاكمة مفتوحة، ويُسمَح للجمهور بالدخول لسماع المرافعات ووقائع الجلسات، مشيراً إلى أن الهدف من علانية المحاكمة هو تحقيق أقصى الضمانات للمتقاضين كافة، سواء أكانوا متهمين مدعى عليهم، أم مجنياً عليهم، وتحقق لهم أقصى درجات الاطمئنان على سير العدالة وفي اتجاهها المنشود. وأشار إلى أن «المادة ال163 نصت أيضاً على أنه «يُنطَق بالحكم في جلسة علنية»، مشيراً إلى أن موضوع علانية المحاكمة لم يتناوله نظام المرافعات فقط، بل تطرق إليه نظام الإجراءات الجزائية». وأضاف: «نصت المادة ال155 منه على أن جلسات المحاكمة علنية، ويجوز للمحكمة استثناءً أن تنظر الدعوى كلها أو بعضها في جلسات سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها مراعاةً للأمن أو محافظةً على الآداب العامة، أو إذا كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة»، موضحاً أن الأصل في النظام هو «علانية جلسات المحاكمة إلا ما استُثنِي من ذلك على النحو الموضَّح بالمادتين المشار إليهما». ويرى المحامي والمستشار القانوني احمد بن جمعان المالكي أن السعودية تنفرد عن الكثير من البلدان بتطبيق الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أنها جعلتها مصدراً لأحكامها وقواعدها، في الوقت الذي تتمتع فيه بالمرونة الكافية والقابلية للتطوير. وأوضح المالكي أن هذه الخطوة تؤكد على الاستجابة السريعة للحراك الحكومي، الهادف إلى تطوير مرفق القضاء، مشيراً إلى أن تفعيل الجلسات العلنية في المحاكم دليل على الشفافية. ويؤكد المحامي محمد المؤنس أن نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي يكفل للجميع من خصوم وجمهور، الحق في أن تكون جميع الجلسات علنية، إلا ما استثني في النظام، مضيفاً أن النظام نص على أن تكون المرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم إجراءها سراً، محافظة على النظام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة. وسيدخل القضاء مرحلة جديدة بعد أن دخلت هذه المحاكمات في منحنى آخر، من خلال فتح جلسات المحاكمة وجعلها علنية، وبالأخص في بعض الجلسات التي حوكم فيها شخصيات لها مكانتها في المجتمع السعودي. ويرى البعض أن ذلك التحول في جلسات محاكمات المتهمين في الكارثة، هي إشارة إلى كل من يحاول التحايل على النظام، والدخول في المخالفات، ومفادها «من يخطئ سيحاكم في حضور الجميع، ودون أي حواجز، حتى يكون عبرة لغيره من الأشخاص الآخرين». فيما يرى البعض أن قرار المحكمة الإدارية في جدة علنية جلساتها لمحاكمة 6 متهمين في الكارثة (شخصيات معروفة في الوسط الرياضي) هو امتداد لتأكيد رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري عبدالعزيز بن محمد النصار قبل أشهر على أن محاكمات المتهمين في كارثة سيول جدة ستكون علنية، لافتاً إلى أن الجلسات بشأنها لا تزال تحت النظر. فيما يؤكد مسؤولون وقضاة في المحاكم الشرعية في جدة ل»الحياة» على تطبيقهم جلسات المحاكمة في العلن منذ فترة طويلة، مشيرين إلى أنهم سبقوا المحاكم الأخرى في اتخاذ تلك الخطوة، بعيداً عن وسائل الإعلام وغيرها. وأفادوا أن المعوقات التي تعترض تطبيق الجلسات العلنية في المحاكم تكمن في عدم توافر الأدوات التي تساعدهم على ذلك، من خلال إيجاد قاعات كبيرة، ومجهزة بالمقاعد، إضافة إلى بعض العناصر التي تسهم في تطبيق علنية الجلسات. وذهب البعض من المحامين والقانونيون بحسب حديثهم إلى «الحياة» إلى أن قرار بعض القضاة بشأن علنية جلسات محاكمة متهمي كارثة السيول هو أمر كفله النظام السعودي ابتداء، معتبرين أن العمل بها يدل على التطور الملموس في القضاء السعودي من خلال تصريحات القائمين على العمل القضائي. وأكدوا أن «النظام ينص على أن تكون المرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب أحد الخصوم إجراؤها سراً، محافظة على النظام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة»، مشيرين إلى أن مبدأ علانية الجلسات من الضمانات التي كفلها الشرع والنظام، إذ إنه من المعروف أن علانية المحاكمة من أهم الضمانات للمحاكمةِ العادلةِ المُنصفة إن لم تكن أهمها على الإطلاق. وجاءت القرارات الخاصة بعلانية الجلسات القضائية في السعودية متتابعة، إذ سبق وان بدأت محكمة المدينةالمنورة العامة في تطبيق الجلسات العلنية من خلال جلسة محاكمة حضرها قانونيون وأشخاص ليست لهم علاقة بالقضية المنظورة، لتأتي بعدها المحكمة الإدارية في محافظة جدة ممثلة في القاضي سعد المالكي الذي اقر علنية جلسات بعض المتهمين في كارثة سيول جدة، التي حضرها شخصيات معروفة في الوسط السعودي. وجاءت هذه التطورات بعد أن تسلمت المحكمة الجزئية والعامة، والمحكمة الإدارية في محافظة جدة عدداً من ملفات المتهمين التي أحيلت إليها، حيث حوت أسماء بينها مسؤولون في دوائر حكومية، ورجال أعمال وغيرهم، ممن كان لهم علاقة بتصريف السيول والأمطار في محافظة جدة منذ 25 عاماً، ونجحت لجان التحقيق إنهاء أعمالها خلال الفترة الماضية بالسرية التامة سواء في هيئة الرقابة والتحقيق، أم هيئة التحقيق والادعاء العام، بغية إنهاء المهمة وفق التوجيهات العليا الصادرة في ذلك.