إن بلادنا ولله الحمد تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية من خلال جعلها مصدرا لأحكامها وقواعدها. ويتمتع النظام القضائي في ذاته بالمرونة الكافية والقابلية للتطوير كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك استنادا إلى فكرة المصالح المرسلة التي يقدرها ولي الأمر، وعلى ذلك كان إصدار عدة أنظمة في السنوات الأخيرة وصدور التنظيم القضائي الجديد خير دليل على الرغبة الصادقة من قبل القيادة السياسية على التحديث والتطوير وبما يتماشى مع الثوابت الشرعية. ومن المعروف أن علانية المحاكمة من أهم الضمانات للمحاكمة العادلة النزيهة إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وقد تناول نظام المرافعات الشرعية ذلك الأمر في المادة (61) منه والذي نص على أن (تكون المرافعة علنية إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم إجراءها سرا محافظة على النظام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة)، وكذلك المادة (163) التي نصت على أن (ينطق بالحكم في جلسة علنية) ولم يتناول نظام المرافعات فقط موضوع علانية المحاكمة، بل إن نظام الإجراءات الجزائية قد أكد في المادة (155) منه على أن (جلسات المحاكمة علنية ويجوز للمحكمة استثناء أن تنظر الدعوى كلها أو بعضها في جلسات سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها مراعاة للأمن أو محافظة على الآداب العامة أو إذا كان ذلك ضروريا لظهور الحقيقة) وعلى ذلك فإن الأصل في النظام هو علانية جلسات المحاكمة إلا ما استثنى من ذلك على النحو الموضح في المادتين المشار إليهما. ولما كانت علانية المحاكمة من حقوق الإنسان الأساسية والتي كفلتها مبادئ الشرعية الإسلامية، كما تضمن أيضا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا المبدأ حيث كان النص على أن (لكل إنسان الحق في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نظرا عادلا وعلنا) متهما كان أو مجنيا عليه. إن علانية الجلسات تكفل إشراف الجمهور على التهمة، وعلى الحجج، وعلى الحكم، الأمر الذي يضطر معه القاضي أن يكون متيقظا إلى ما يجب عليه من المساواة بين الخصوم في مجلس القضاء ويحمله ذلك إلى أن يجتهد في أداء واجبه في هذا الخصوص في جميع مراحل الترافع من بدايتها حتى نهايتها، وأن يتحرى كافة الطرق التي تضمن إظهار الحكم العادل، وأن يجتنب كل تصرف يقدح في عدله ومساواته بين الخصوم، ولا شك أن جميع ذلك يؤدي إلى زيادة الثقة بتحقيق العدل، وسيجعل القاضي يصبغ أحكامه بشكل أدق ويسببها بشكل أوضح، ويدفعه أيضا إلى أن يجعل من القضاء وسيلة من وسائل التذكير بالخالق سبحانه وتعالى وسيعرف الناس مالهم وما عليهم بشكل عملي فيتناهون عن الخصومات بدون داعي. إن ما يتذرع به البعض من كون علانية الجلسات سوف تؤدي إلى عدم الهدوء داخل مجلس القضاء ولن يكون هناك ضبط في الجلسات فهذا غير صحيح، فالقاضي له هيبته واحترامه وله أن يخرج من الجلسة من يخل بنظامها وله أن يعاقبه أيضا وهذا من حقه، ولا أدل على ذلك مما نشاهد في جلسات مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية واللجنة العليا وبعض مكاتب أصحاب الفضيلة القضاء وجميع محاكم الدول العربية والغربية والتي تتحقق فيها العلنية والجميع يحافظ على آداب الجلسات وليس هناك إزعاج يذكر. عبد الله بن صديق فلاته محامي ومستشار قانوني