اجتمع مجلس الأمن السبت الماضي، بعد أن تجاوز عدد الشهداء نتيجة قصف النظام السوري العشوائي على مدينة حمص أكثر من 350 شهيداً في يوم واحد. جلسنا نستمع على مدى ساعات مطولة من أعضاء المجلس الكثير من التصريحات النارية من أن النظام فاقد الشرعية؛ والكثير من التنديد، والشجب، والامتعاض؛ والتعبير عن القلق، والصدمة، والاشمئزاز. ثم فشلوا في النهاية في إقرار المبادرة العربية، التي رفضها أصلاً الشعب منذ مدة طويلة. بعدما خيب مجلس الأمن آمال الشعب السوري في مساعدته في محنته للتخلص من هذا النظام الدموي، أخذ السوريون يتساءلون عن السبب، على رغم أن المجلس عينه اتخذ قرار إدانة بالإجماع في حال ليبيا، واليمن وغيرهما من الجلسة الأولى بخصوصهما. وتعددت طروحات تفسيرات السوريين، فمنهم من قال: إنه ليس لدينا نفط، ومنهم قال: إن الغرب يخشى من حرب إقليمية، ومنهم من عزاها إلى تهرب الغرب من واجبه الأخلاقي بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها. ولكن لا أحد منهم سأل عن سبب الصمت الإسرائيلي تجاه هذه الثورة. إن الحقيقة التي ربما خفيت عن بعض في أن العلاقة السورية الإسرائيلية هي أمتن من العلاقات الإسرائيلية مع أي دولة عربية؛ بل وأمتن من العلاقات الإسرائيلية مع الكثير من الدول الغربية، وإن تاريخ العلاقة السرية بين العائلة الأسدية وإسرائيل منذ عهد حافظ الأسد، حين سلم الجولان السوري لإسرائيل مقابل تثبيت حكمه، يعلمه كل ذي بصيرة، كما لم تشهد الحدود بين سورية وإسرائيل أي حادثة تذكر منذ عام 1973، على رغم كل الخروقات التي قامت بها إسرائيل داخل سورية. في عهد الأسد الابن استمرت العلاقات السرية بينهما. والدليل على متانة هذه العلاقة هو أنه حينما خرج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، غمزت بعض الدول الغربية في إعلامها إلى أنه يجب تغيير النظام في سورية، حينها سارع وفد رسمي من إسرائيل إلى الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، للضغط على تلك الدول، لإقناعها بأن النظام القائم في سورية أفضل لإسرائيل من أي نظام سيأتي في المستقبل، وقد رد النظام السوري هذا الجميل لإسرائيل في ما بعد حين تعاون مع «الموساد» في تصفية «عماد مغنية» في دمشق، إذ تكشفت الحقائق في الصحف الإسرائيلية بأن دخول عماد مغنية إلى دمشق لم يكن يعلمه إلا ثلاثة أشخاص، هم بشار الأسد، وآصف شوكت، ومحمد سلمان، وقد ضحى النظام السوري بمحمد سلمان، ليطفئ غضب «حزب الله»، ولدفن قضية هذا التعاون بين سورية وإسرائيل، كما دفن حافظ الأسد قضية التعاون السوري الإسرائيلي في اغتيال فتحي الشقاقي. لقد كان، ولا يزال، النظام السوري يدعي بأنه لا يود عقد اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل، بينما هو في الحقيقة غارق لأذنيه في الاتفاقات السرية، فقد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 20 - 7 - 2007 نصوص المحادثات السورية الإسرائيلية السرية بالأسماء والتفاصيل، والندوة التي عقدت في لندن بترتيب من مؤسسة القرن المقبل، بحضور كل من: إبراهيم أيوب سليمان الأميركي من أصل سوري، والسفير الإسرائيلي السابق آلون ليال، والأميركي سيف آرنولسون الخبير في أحد مراكز الأبحاث الأميركية. إذ أوردت الصحيفة أن سليمان زار دمشق برفقة مدير قسم الشرق الأوسط في الخارجية السويسرية نيكولاس لانغ ثماني مرات، والتقيا بشار الأسد شخصياً بحضور السفير السويدي المتجول ولاس لينغ. يرى الكثير من المحللين السياسيين أن هناك مصالح إستراتيجية تربط بين إسرائيل في المنطقة، والأقلية العلوية التي تهيمن على فريق الحكم في سورية، وأن هناك تكاملاً عضويًا بين مصالح النظام في سورية والاحتلال في إسرائيل، تلك الرؤية ترى أن النظام في سورية يحتاج إلى تصريحات مسرحية هزلية في الإعلام بأن سورية في حال صراع مع إسرائيل لكي يستمر في الحكم ويبرر ممارساته وإنفاقه العسكري، وإسرائيل أيضاً في حاجة إلى التهويل بالخطر العسكري السوري لتبرر طلب مساعدات عسكرية ضخمة، والتركيز على برنامج تسلح هائل. صحيح أنه في العقدين الماضيين كان هناك صراع مباشر بين إسرائيل وبين مجموعات عسكريّة مدعومة، مباشرة وعلناً، من النظام السوري، سواء في لبنان أو في فلسطين، ولكن إسرائيل حرصت دوماً منذ 1982 على عدم توجيه أية ضربة موجعة إلى الجيش السوري، الذي هو العماد الوحيد للنظام السوري، والذي ترى إسرائيل أن له الكثير من الأهمية للدفاع عن السلطة الطائفية الحاكمة. من جهة أخرى هناك الكثير من المحللين السياسيين يرون أن إسرائيل ترغب في المحافظة على النظام السوري الحالي، في حال ضعف، في وجه تزايد الضغوط الدولية عليه، وأن هناك مؤشرات كثيرة توضح ذلك المنحى في اللقاءات الجانبية التي جمعت بين ديبلوماسيين من إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا، التي جرت قبل وبعد الجلسات التي انعقدت في مبنى الأممالمتحدة يوم 27 - 4 - 2011. لقد صدرت بعض التعليقات في الصحافة الإسرائيلية ملخصها أن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية تقول: «إن نظام الأسد سيسقط في الأمد البعيد، لكن سيناريو كهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لإسرائيل؛ لأن هذا سيؤدي إلى استيلاء الإخوان المسلمين على الحكم، وهؤلاء ليسوا مستعدين للاعتراف بإسرائيل أبداً، وسيسعون إلى العودة إلى حال الحرب معها». كما نقلت إحدى الصحف الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله: «إنه في حال سقوط نظام الأسد فإن المنظمات الإرهابية في دمشق ستكون مسرورة بتنصيب جهات متطرفة للغاية مكانه، وهذا سيناريو سيئ بالتأكيد، فعلى رغم كل شيء فإن الأسد تحدث عن السلام مع إسرائيل حتى لو أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق»، كما صرح نائب وزير الدفاع الإسرائيلي إفراييم سنيه، حول رأيه في الأحداث الأخيرة في سورية، بقوله: «إننا نفضل شيطاناً نعرفه». إن مفتاح فك «شيفرة» الثورة السورية هو موافقة المعارضة السورية على شروط الغرب، وإن لم توافق المعارضة السورية على هذه الشروط التي لم، ولن يبوح بها الغرب علناً، والتي منها إعطاء ضمانات لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل بعد سقوط النظام، فإن نظام الأسد سيستمر إلى ما شاء الله حتى لو ذُبح الشعب السوري بأكمله. * باحث في الشؤون الإسلامية.