العلاقة بين الشام والحجاز قديمة قدم تاريخ الأرضين والشعبين. إذ تذكر بعض المصادر التاريخية القديمة أن هذه العلاقة كانت قائمة منذ الجاهلية في زمن حكم قبيلة قريش على مكةالمكرمة. وقد ذكر تعالى في كتابه الحكيم جانباً من هذه العلاقة في قوله: «رحلة الشتاء والصيف». وفي العصر الأموي كان الترابط أكثر إحكاما وشدة، بسبب انتقال عاصمة الدولة الإسلامية إلى مدينة دمشق. هذا الترابط بقي قائما حتى تاريخ سورية الحديث. فقد كان أول ملك نصب في سورية من أصول حجازية. كانت العلاقة بين الدولتين بين شد وجذب، فقد دعمت المملكة العربية السعودية الرئيس شكري القوتلي ليتسلم الحكم في سورية مرات عديدة. وساعدت أيضاً الرئيس أديب الشيشكلي في تسلمه الحكم. ولكن في عهد حكم هاشم الأتاسي لم تكن العلاقة بالمستوى المطلوب. ولعل بعض الأسباب كانت بداية الصراعات الدولية بين المعسكرين اليساري واليميني. عادت العلاقة الأخوية العربية بين البلدين مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة، وانفتاحه على المملكة، التي وقفت بجانب سورية في أزمة الثمانينات، والحصار الاقتصادي الأميركي عليها، حين ساهمت المملكة من خلال دعمها لليرة السورية، وشراء احتياطي العملة الصعبة، وضخها في دورة الاقتصاد السوري. هذا كله لم يمنع من أن تشوب هذه العلاقة بعض الفتور من وقت لآخر. فحين أرسل حافظ الأسد جيشه ليدمر مدينة حماة عام 1982م، عارضت المملكة هذا الهجوم الدموي العنيف عبر الوسائل الدبلوماسية. وفتحت أبوابها، آنذاك، لاستقبال السوريين الفارين من ظلم النظام السوري. ومنحت عشرات الآلاف منهم حق الإقامة في المملكة، وما زال كثير منهم يعيشون في كنف هذه الدولة الكريمة، ويشكرون فضلها. كما أن موقف المملكة من سورية في لبنان أدى أيضاً إلى تدهور هذه العلاقة، والذي تبلور في المؤتمر الذي انعقد في مدينة الطائف عام 1990م. ثم عادت العلاقة إلى صفائها بعد وقوف سورية إلى جانب أشقائها في دول الخليج ضد الغزو العراقي الكويتي، وأنشئ حلف ما سمي «السعودية، مصر، سورية». تراجعت العلاقة السورية السعودية في عهد بشار الأسد لأسباب عديدة، منها: الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع 2003؛ وبسبب التوجه الطائفي السوري، الذي تمثل في إقامة تحالف سوري إيراني على حساب التحالف القومي العربي؛ ودعم سورية لحزب الله الشيعي في لبنان على حساب أهل السنة؛ ثم أتى بعده مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ليصب الزيت على النار. ومع اندلاع حرب صيف عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله بلغ الانحدار في العلاقات السورية السعودية أدناه، إذ أتى الموقف السعودي المندد بالمغامرات غير المحسوبة، في إشارة إلى دور حزب الله في التسبب في الحرب، وأعقبه موقف حاد من بشار الأسد، الذي اتهم، في خطاب له أمام مجلس الشعب، زعماء دول الخليج بأنهم أنصاف رجال. وبدا الأمر وكأن هذه العلاقة وصلت إلى نقطة اللاعودة، خاصة بعد تدهور الوضع اللبناني الداخلي بعد الحرب الإسرائيلية، وصولا إلى قيام حزب الله وحلفاء سورية في مايو 2008م بعملية عسكرية في بيروت ضد قوى 14 آذار، ووقوع العاصمة بيروت تحت سيطرة قوات الحزب خلال ساعات. ثم أتى بعدها اتهام إحدى الشخصيات الكبيرة البارزة في المملكة بأنها وراء مقتل القائد في حزب الله عماد مغنية. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله واضحاً في موقفه من النظام السوري، آنذاك، فلم يمار ولم يدار، كعادة الزعماء في اللجوء إلى الدبلوماسية في مثل تلك المواقف. إذ رفض حفظه الله، حينها، المشاركة في القمة العربية الأخيرة التي استضافتها دمشق، فكانت أفشل قمة عربية على الإطلاق منذ بداية انطلاقتها. عادت العلاقات بين البلدين لتتخذ مساراً إيجابياً مرة أخرى، بعد انعقاد اتفاق الدوحة الذي نظم الوضع اللبناني، وأوقف مسلسل الاغتيالات، وأخرج لبنان من الفراغ الدستوري بانتخاب الرئيس ميشيل سليمان. وتوج هذا المسار بمبادرة خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت عام 2009 تجاه سورية ولقائه الأسد. ثم جاءت الزيارة المشتركة لخادم الحرمين الشريفين برفقة الرئيس الأسد إلى بيروت. إن خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن العزيز، حفظه الله، لم يتخذ هذا الموقف الشريف المؤيد لمطالب الشعب السوري المضطهد المظلوم، نتيجة مواقف سلبية سابقة صدرت من النظام السوري، أو بسب تدهور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فقد كان حفظه الله، بالرغم من كل شيء، من أكثر ملوك السعودية زيارة إلى سورية، فقد بلغ عدد الزيارات الرسمية التي زارها منذ أول زيارة رسمية بتاريخ 14/1/1981 15 زيارة. وبلغ عدد الزيارات الخاصة التي زار فيها سورية أربع زيارات. بل وكان، حفظه الله، يحتفي ببشار الأسد حتى قبل أن يصبح رئيساً. فقد أرسل خادم الحرمين الملك عبد الله ابنه المستشار بالديوان الملكي صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بتاريخ 11/7/1999 إلى مدينة جدة لاستقبال بشار الأسد، الذي كان يقوم يومها بزيارة خاصة لتلك المدينة، واحتفى به سمو الأمير عبد العزيز بإقامة حفل غداء على شرفه في قاعة ليلتي، حضرها الكثير من المسؤولين السعوديين. تاريخ العلاقة بين المملكة وسورية، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، رحمه الله، على مستوى الشعبين كان على أفضل حال، ولم يتأثر أبداً بشكل العلاقات الرسمية بين الدولتين. كان الملك عبد الله بن عبد العزيز يدرك بحنكته المعهودة أن الأنظمة زائلة، وأن الشعوب باقية، فكان لزاماً عليه وقفته الشريفة الشجاعة الحرة مع الشعب السوري المكلوم. فأمر بسحب سفيره من سورية، احتجاجا على المجازر التي ارتكبها النظام السوري بحق الأبرياء العزل من النساء والأطفال. وخاطب الشعب السوري بكلمات قليلة، لكنها تضمنت الكثير من المعاني الواضحة التي لا غموض فيها، بأنه يدعم صمود هذا الشعب أمام الآلة العسكرية للنظام الدموي القمعي في سورية. * باحث في الشؤون الإسلامية